باحث مصري لـ"جرين بالعربي": ابتكار جديد يختصر طريق التحول إلى الهيدروجين الأخضر


سلمى عرفة
الثلاثاء 15 اغسطس 2023 | 09:46 مساءً
الباحث المصري الدكتور حسين بدر في كلية الهندسة بالجامعة
الباحث المصري الدكتور حسين بدر في كلية الهندسة بالجامعة

بمحطات عديدة في سبيل رحلة البحث عن مصادر للطاقة النظيفة تنقذ الكوكب من مخاطر الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري، تصدَّر الهيدروجين قائمة اهتمامات دول العالم.

وكشفت دراسات أجرتها جامعة ريدنج البريطانية، أن تحوُّل العالم إلى اقتصاد يعتمد على الهيدروجين، يمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى ما يزيد عن 90%.

ودخلت بلدان العالم العربي في سباق إنتاج الوقود النظيف؛ إذ أعلنت المملكة العربية السعودية عن إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر للاستخدام التجاري في العالم؛ وذلك في الوقت الذي تستهدف فيه مصر رفع إنتاج الهيدروجين إلى 8% من الإنتاج العالمي.

فيما تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى زيادة نصيبها في سوق الهيدروجين المنخفض الكربون إلى ربع الإنتاج العالمي خلال أقل من 3 عقود.

ويشير مصطلح الهيدروجين الأخضر إلى إنتاج الهيدروجين عن طريق فصل عناصر المياه بطريقة صديقة للبيئة، ووصل حجم السوق العالمية لإنتاجه إلى 1.45 مليار دولار في 2021.

ورغم ذلك، هناك عقبات أمام توسع العالم في الوصول إلى الهيدروجين العنصر الذي لا يوجد منفرداً في الكون؛ إذ تتطلب عمليات فصل المياه كميات كبيرة من التيار الكهربائي تتطلب تكلفة ضخمة، لكن هل من طريقة تسهل إنتاجه؟

نقطة الانطلاق

وداخل أحد مختبرات جامعة دريكسل الأمريكية، نجح العلماء في ابتكار مادة جديدة تماماً تُحفِّز عمليات فصل الهيدروجين عن الأكسجين من المياه عند التعرض للشمس بدرجة تفوق المواد الأخرى المعروفة.

الدكتور حسين بدر  بصحبة الدكتور ميشيل برسومالدكتور حسين بدر بصحبة الدكتور ميشيل برسوم

قاد فريق الباحثين العالم الدكتور ميشيل برسوم، والباحث المصري الدكتور حسين بدر في كلية الهندسة بالجامعة، بالتعاون مع المعهد الوطني للفيزياء في العاصمة الرومانية بوخارست.

نتائج الدراسة التي نشرتها دورية Matter كشفت عن استخدام نوع جديد من أكاسيد التيتانيوم باعتباره عاملاً محفزاً في فصل الهيدروجين من المحاليل المائية عن طريق أشعة الشمس، ليكتشف العلماء أن كفاءة المادة المطورة تفوق العامل الحفاز المستخدم في سوق الهيدروجين بفارق 10 أضعاف، علاوة على سهولة تصنيعها بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة.

"جرين بالعربي" حاور الدكتور حسين بدر، ليُخبِرنا المزيد عن المادة الجديدة التي ابتكرها ضمن التجارب التي أجراها خلال إعداده رسالة الدكتوراه.

الحوار يكشف الكواليس بدءاً من التخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة المصرية، مروراً بالانضمام إلى أعضاء هيئة التدريس، والحصول على درجة الماجستير في 2019، وصولاً إلى السفر في منحة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتواصل الاهتمام بمجال هندسة المواد وتطبيقاتها المفيدة للبشر.

الدكتور حسين بدرالدكتور حسين بدر

فصل الهيدروجين

أوضح حسين بدر أن مادة أكسيد التيتانيوم التي اعتمدت عليها التجارب، هي مادة موجودة بكميات كبيرة في القشرة الأرضية داخل عدد من المواد الأولية التي لا تضر البيئة أو الإنسان، كما أن لها سمات فريدة للغاية في تطبيقات مختلفة، مثل فصل عناصر المياه باستخدام أشعة الشمس، لكنها تحتاج إلى تحويلها إلى صورة نانوية لرفع كفاءتها.

وأضاف: "الباحثون أضافوا العنصر إلى هيدروكسيد الأمونيوم، وجرى تسخين الخليط عند درجة حرارة تتراوح بين 50 و80 درجة مئوية، لتنتهي التجربة بإنتاج نوع جديد من الصور النانوية من أكاسيد التيتانيوم "TiO2 lepidocrocite 1D Nanofilaments" أحادية البُعد صغيرة الحجم، لكنها نشطة للغاية بدرجة تفوق أي مادة معروفة".

صورة توضيحية للمادة تحت المجهرصورة توضيحية للمادة تحت المجهر

وأكد بدر ارتفاع تكلفة تقنيات الحصول على الهيدروجين من خلال التيار الكهربائي، والبديل هو تعريض المياه لأشعة الشمس واللجوء إلى عامل حفاز لإتمام عملية الفصل، وهو ما نجحت فيه المادة الجديدة عند إضافتها إلى المحلول المائي بكفاءة تصل إلى نسبة 10% مقابل 1% للمادة المتاحة تجارياً "أكسيد التيتانيوم P25".

وتحتفظ المادة الجديدة بالثبات الكيميائي داخل المياه لمدة تصل إلى 6 أشهر، وتحت أشعة الشمس لمدة أسبوعين، على عكس المواد المحفزة الأخرى التي لا يمكن استمرار عملها تحت الشمس إلا لمدة يوم واحد على أقصى تقدير.

وتابع: "الخطوة القادمة للفريق هي العمل على تطوير المادة حتى يمكن استخدامها في إنتاج الهيدروجين باستخدام التيار الكهربي كذلك وليس الطاقة الشمسية فحسب، وخفض كمية الكهرباء المطلوبة".

طريقة واعدة  لفصل المياهطريقة واعدة لفصل المياه

بحسب نتائج الدراسة المنشورة، لم يتسبب الميثانول الذي جرى استخدامه في المحاليل المائية في أي انبعاثات كربونية بعد التعرض لأشعة الشمس؛ إذ وصف الباحثون المادة المبتكرة بأن لها مقومات صديقة للبيئة، وآفاقاً اقتصاديةً مربحة إذا ما جرى تطبيقها على نطاق واسع.

ووفق الباحث حسين بدر، فإن الميثانول تحول إلى مادة جديدة ثانوية، وتم اللجوء إلى استخدامه؛ لأن الأبحاث السابقة اعتمدت عليه، ومن ثم كان لا بد من توحيد المكونات لقياس التغيير الذي ستُحدِثه المادة الجديدة، والقدرة على مقارنة النتائج، لكن هناك محاولات لاستخدام مواد أخرى أقل سعراً.

وكشف الباحث عن بدء إجراءات التعاون مع اثنتين من شركات الغاز في العالم لإنتاج الهيدروجين بالطريقة الجديدة، وهو ما قد يستغرق مدة تصل إلى عامين.

يرى بدر أن نتائج الدراسة خرجت إلى النور في الوقت المناسب، بينما تحاول دول العالم خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الذي وصل إلى 8 دولارات للجالون الواحد.

واختيار الباحث لتخصص هندسة المواد جاء بعد رحلة بحث طويلة؛ ففي البداية التحق بقسم هندسة الطيران، واستمر في الدراسة هناك لمدة شهر كامل، لكن لقاءاته مع مجموعة كبيرة من أساتذة الجامعة في كلية الهندسة والعلوم جعلته يدرك أن هندسة المواد هو التخصص الذي يناسبه؛ لأنه حلقة الوصل بين المجالين.

الدكتور حسين بدرالدكتور حسين بدر

وشارك الباحث حسين بدر في عدة مؤتمرات مؤخراً، أبرزها قمة الهيدروجين الدولية 2023 التي عُقدت في مدينة روتردام بهولندا، ومؤتمر الهيدروجين وخلايا الوقود الذي استضافته مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.