وجه آخر أكثر لهيباً لارتفاع درجات الحرارة بات واقعاً ملموساً في المحيطات التي حاصرها الدفء، مع تسجيل يونيو ويوليو أكثر الشهور سخونةً التي سُجلت في التاريخ، وأصبحت آثارها واضحة على مصايد الأسماك.
في مايو الماضي، تشكلت موجة حارة بحرية كبيرة واستمرت قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة حول فلوريدا وكندا؛ حيث جعلت المياه دافئة بشكل ملحوظ، كما أن درجة حرارة سطح البحر في المحيطات العالمية سجلت أعلى القياسات خلال يونيو الماضي، وفقاً لتقرير صادر عن خدمة "Copernicus" لتغير المناخ.
رغم الانخفاض الطفيف بالموجة الحارة في شمال شرق المحيط الأطلسي، وفقاً لمعهد منظمة العلوم غير الربحية Mercator Ocean International، يبدو أن موجة أخرى في البحر الأبيض المتوسط تتزايد الآن، لا سيما حول مضيق جبل طارق؛ حيث ارتفعت درجة حرارة سطح البحر على طول سواحل جنوب إسبانيا وشمال إفريقيا بين درجتين و4 درجات مئوية.
خلال صيف 2010 و2011 أدت درجات الحرارة المرتفعة القياسية على طول الساحل الغربي لأستراليا إلى موت الأسماك وغابات عشب البحر وتغير جذري في النظام البيئي الساحلي
العلماء لاحظوا ظهور درجات حرارة بحرية شديدة أيضاً، في الآونة الأخيرة، حول أيرلندا والمملكة المتحدة وبحر البلطيق، وكذلك المناطق القريبة من نيوزيلندا وأستراليا.
كارلو بونتمبو مدير خدمة Copernicus لتغير المناخ بالاتحاد الأوروبي، أوضح أن العلماء يتوقعون تغيرات كبيرة في درجات الحرارة بالمحيط الهادي مرتبطة بنمط طقس "النينو"، وهي مرحلة من طقس الاحترار على كوكب الأرض بدأت للتو، واصفاً ما يحدث بالمحيط الأطلسي بأنها "حالة غير مسبوقة حقاً".
رغم أن التغيرات القصيرة المدى في أنماط الغلاف الجوي وتيارات المحيطة تخلق فترات من الحرارة الشديدة بالبحر تستمر لأسابيع وشهور وحتى لسنوات، فإن المدة الطويلة لارتفاع درجة المحيطات مدفوعة في الحقيقة بزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، خصوصاً مع تخزين نحو 90٪ من الحرارة الزائدة الناتجة عن تغير المناخ في المحيط، وشهد العقدان الماضيان تضاعفاً في معدل تراكم الحرارة في نظام مناخ الأرض.
اضطراب الحياة البحرية
موجات الحر البحرية تُشعر الخبراء بالقلق نتيجة تأثيرها على حياة المحيطات ومصايد الأسماك؛ فعلى سبيل المثال، خلال صيف 2010 و2011، أدت درجات الحرارة المرتفعة القياسية على طول الساحل الغربي لأستراليا إلى موت الأسماك وغابات عشب البحر؛ ما أدى إلى تغيير جذري في النظام البيئي الساحلي.
بعد عدة سنوات، تسببت موجة حر بحرية غير مسبوقة ناجمة عن تغير المناخ، وتضخمت بفعل ظاهرة النينو القوية في أسوأ ابيضاض مرجاني شوهد على الإطلاق في الحاجز المرجاني العظيم عام 2016.
المشكلة نفسها تكررت في البحر المتوسط، خلال الفترة من 2015 إلى 2019؛ حيث حدث موت جماعي متكرر لأنواع من الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية، وتم وصف المشكلة بأنها "ضغوط منتشرة على النظم البيئية البحرية على مستوى العالم".
لوحظ انخفاض في العوالق النباتية بالمنطقة الشمالية الغربية للمحيط الأطلسي، بسبب موجة حارة والمشكلة أن هذه العوالق توفر معظم الطاقة اللازمة للحفاظ على السلسلة الغذائية البحرية، كما تساهم بشكل كبير في امتصاص المحيطات العالمية لثاني أكسيد الكربون.
خسارة بالغة
البروفيسور مازلان عبد الغفار من جامعة ماليزيا، في حديثه إلى موقع "ستار الماليزي"، أشار إلى أنه مع ارتفاع درجات حرارة سطح البحر، ستزيد قوة الأعاصير المدارية من وتيرة العواصف في قلب البحر، ويؤثر ذلك على ذهاب الصيادين بدول العالم لصيد الأسماك، وفي الوقت نفسه كشفت دراسة حديثة أن تغير المناخ يؤثر على أرصدة السمك بالبحار.
استناداً إلى الدراسات في معهد UMT للتكنولوجيا الحيوية البحرية، يرى "مازلان" أن لتغير المناخ تأثيراً كبيراً على المناطق الاستوائية في آسيا؛ فالحرارة المرتفعة تقلل من مخزون الأسماك، بالإضافة إلى أن حجم جسم السمكة أصبح أصغر؛ أي تقلص بنسبة 10% مقارنة بالعشرين عاماً الماضية، بسبب أنشطة الصيد الجائر وتأثيرات تغير المناخ.
ببساطة فإن تغير التيارات المحيطية وارتفاع درجة حرارة المياه يغيران توزيع الثروة السمكية ويغيران بنية النظم البيئية.. هكذا أوضح المحاضر الأول بالجامعة الماليزية، مضيفاً أن تغير المناخ قد يحرم صغار الأسماك من أهم إمداداتها الغذائية المبكرة.