دول غارقة في الظلام.. التغير المناخي يتحدى الكهرباء


فيروز ياسر
الاثنين 31 يوليو 2023 | 06:04 مساءً

الظلام الذي يخيم علينا جميعاً في لحظات فور انقطاع الكهرباء يعكس المستقبل المجهول الذي قد نعيشه وسط أزمات طاحنة بسبب التغيرات المناخية التي ألقت بظلالها على قطاع الطاقة؛ فعدة دول تعاني الآن من ضغوط ومشكلات في إمدادات الطاقة، وكان الحل الوحيد تخفيف الأحمال للسيطرة على الوضع، ولكن ما يجب الإشارة إليه أن الكهرباء في حد ذاتها مسؤولة عن تدهور المناخ أيضاً.

ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحدٍِّ لشبكات الكهرباء التي عليها الموازنة باستمرار بين إمداداتها من الطاقة والطلب عليها؛ ففي الصيف الحار يتزايد تشغيل مكيفات الهواء، ويتعين على مشغل الشبكة زيادة التوليد، حتى يصل الطلب إلى ذروته في أوقات معينة، ولكن عندما يحدث خلل بين العرض والطلب على الكهرباء فإن انقطاع التيار عن أماكن مختلفة بأوقات معينة يقلل الطلب ويثبت النظام؛ وذلك وفقاً لما ذكره موقع wired.

جزء كبير من الكهرباء التي يتم توليدها في العالم، والتي تصل نسبتها إلى 63.3% تأتي من حرق الوقود الأحفوري كالفحم والغاز الطبيعي والنفط، ومن ثم فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من الكهرباء وصلت عالمياً إلى 15.59 مليار طن في عام 2018، كما ذكر موقع TerraPass.

المناخ يتحدى نظام الكهرباء

ليس ارتفاع درجات الحرارة وحده المؤثر الوحيد على إمدادات الكهرباء، بل كل أشكال الطقس المتطرف؛ فعلى سبيل المثال، في نوفمبر عام 2020، تسبب المطر الشديد بالشرق الأقصى لروسيا في ترك آلاف المنازل بدون كهرباء لعدة أيام، كما أن الإعصار الذي ضرب فلوريدا في عام 2022 ترك 2.6 مليون شخص في الظلام.

مع ازدياد تهديدات حرائق الغابات مع ارتفاع درجات الحرارة، قامت المرافق في كاليفورنيا بقطع الطاقة بشكل استباقي لمنع الحرائق الناتجة عن أسلاك الكهرباء، ومن ناحية أخرى، تهدد مشكلة المياه المتفاقمة كلاً من محطات الطاقة النووية والفحم؛ حيث تقع العديد من محطات توليد الطاقة في البلاد بجوار المسطحات المائية لأغراض التبريد.

يمكن أن تتسبب درجات الحرارة المرتفعة والجفاف في تقلص إمدادات مياه التبريد، من جانب آخر، داخل المناطق التي تتصارع مع ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة غمر الأنهار والعواصف الأكثر شدة، تواجه محطات توليد الطاقة مخاطر أعلى للفيضانات.

حتى إن كانت الدول توفر الكهرباء بالطاقة الشمسية ففي بعض الأحيان يصبح تغير المناخ لعنة؛ لأنه عند حدوث حرائق الغابات يمنع رمادها ضوء الشمس من الوصول إلى الألواح الشمسية؛ لذا يمكن أن تحدث انخفاضات كبيرة في توليد الكهرباء.

انقطاعات مستمرة بدولة عربية

محاولات من تخفيف الأحمال على شبكات الكهرباء المصرية بدأت منذ ارتفاع درجات الحرارة بشهر يوليو واستمرار المنخفض الهندي وظاهرة القبة الحرارية، مع إعلان الحكومة المصرية عن استمرار الانقطاعات. ووفقاً لموقع "فرانس 24" أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن بدء عمل موظفي الخدمة المدنية الذين لا يتعاملون بشكل مباشر مع الجمهور عن بعد كل يوم أحد لمدة شهر اعتباراً من 6 أغسطس، وحث القطاع الخاص على اتخاذ إجراءات مماثلة.

خلص تحليل أجرته وكالة Associated Press إلى أن الانقطاعات قد قفزت إلى أكثر من 100 مرة في السنة في السنوات الخمس الماضية ضعف ما يقرب من 50 مرة في السنة في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

الولايات المتحدة في مأزق

تم بناء شبكات الكهرباء الأمريكية الحالية لتحمل مناخ لم يعد موجوداً، خصوصاً أن البنية التحتية للشبكة فوق الأرض ومن ثم فهي أكثر عرضة لظواهر الطقس المتطرفة كالرياح الشديدة والجفاف العميق وهطول الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة القصوى؛ ما يعطل إمدادات الطاقة وتوصيلها. ورغم إتاحة شبكات كهرباء مقاومة للمناخ فإنها بحاجة إلى التخطيط والاستثمار المستدام.

البنية التحتية لشبكة الكهرباء الأمريكية تتكون من أكثر من 10 آلاف محطة للطاقة، وما يقرب من 650 ألف ميل من خطوط النقل العالية الجهد، وأكثر من 6.3 مليون ميل من خطوط التوزيع، لكن متوسط عمر المحطات في البلاد أكثر من 30 عاماً.

انقطاع التيار الكهربائي آخذ في الازدياد؛ ففي عام 2022، خلص تحليل أجرته وكالة Associated Press إلى أن الانقطاعات قد قفزت إلى أكثر من 100 مرة في السنة في السنوات الخمس الماضية ضعف ما يقرب من 50 مرة في السنة في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

ووجدت دراسة أجرتها مؤسسة "كلايمت سنترال" غير الربحية أنه بين عامي 2000 و2021، تسببت الأحداث المتعلقة بالطقس في أكثر من 83% من حالات الانقطاع.

خلال السنوات القادمة، التركيز على مصادر الطاقة النظيفة في إمدادات الكهرباء أمر لا بد منه للحد من زيادة درجة الحرارة العالمية، خصوصاً أن تغير المناخ يمكنه تقويض أمن الطاقة، وحتى يمكن تعريض إمدادات الطاقة المتجددة للخطر، ومن ثم لا بد من السيطرة على التغيرات المناخية ذات الوتيرة السريعة.