لهيب من السماء وحرائق على الأرض.. الغابات تلتهم خزائن الدول


فيروز ياسر
الخميس 27 يوليو 2023 | 08:45 مساءً

ألسنة لهب تعلو وأعمدة دخانها تصل إلى السماء.. مشاهد لم يعتدها سكان دول العالم، لكنها باتت أمراً واقعاً يبث الرعب في نفوس مليارات البشر؛ فمع موجة الطقس الحار التي ضربت مواقع عدة، باتت الحرائق مارداً يحاصر البشر من كل اتجاه، فيما يحاول رجال الإطفاء بكل ما أوتوا من قوة إنقاذ الغابات والأرواح من الدمار.

تسع دول مطلة على البحر المتوسط على الأقل تضررت من حرائق الغابات المشتعلة، وآلاف من رجال الإطفاء في أوروبا وشمال إفريقيا يحاولون احتواء النيران التي أججها ارتفاع درجات الحرارة والظروف الجافة والرياح القوية.

موقد لحام

في الجزائر اندلعت الحرائق في 15 محافظة، مسببة الموت لما لا يقل عن 34 شخصاً، بالإضافة إلى إجلاء 1500 آخرين من منازلهم، فكانت جدران اللهب أشبه بـ"موقد اللحام"؛ حيث تحولت الغابات الشاسعة إلى أراضٍ قاحلة.

المصير نفسه لاقته قرية "مالولا" الساحلية التونسية، حيث التهمت النيران الغابات وبساتين الحمضيات والبندق، كما أجبرت 300 شخص على ترك مواقعهم حفاظاً على أرواحهم. ولم تفلت سوريا كذلك من الأزمة؛ حيث شهدت غابات اللاذقية المطلة على البحر المتوسط حرائق أيضاً.

فور احتراق أشجار الغابات فإنها تعيد إطلاق الكربون المخزن لديها مرة أخرى في الهواء وتزيد من غازات الاحتباس الحراري

إيطاليا من الدول التي شهدت طقساً مضطرباً في أيام متتالية، ما بين العواصف المطيرة والأعاصير في الشمال، وحرارة حارقة وحرائق مدمرة بالوسط والجنوب؛ حيث تعامل رجال الإطفاء مع ما يقرب من 1400 حريق بعدة مناطق.

تهديدات تواجه موسم السياحة في اليونان، التي اضطرت إلى إجلاء أكثر من 20 ألف شخص من المنازل والمنتجعات جنوب جزيرة رودس، ونقلتهم إلى أماكن آمنة. أما فرنسا وكرواتيا وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة وكندا فقد تركت الحرائق بصمتها على أراضيها كذلك.

خسائر جامحة

رغم أن حرائق الغابات تبعد مئات وآلاف الأميال عن المدن، فإنها تسبب خسائر متعددة بكافة قطاعات الدول، علاوة على المشاكل البيئية؛ فجودة الهواء الذي يتنفسه السكان أصبحت رديئة، والجزيئات الدقيقة للدخان المنبعث من الحرائق تسبب حرقة العين وأمراض الجهاز التنفسي والقلب والرئة المزمنة.

صحيح أن الأشجار تخزن الكربون، لكن فور احتراقها فإنها تُطلقه مرة أخرى في الهواء وتزيد من غازات الاحتباس الحراري، كما أن فقدان الأشجار يقلل من قدرة الغابة على التقاط الكربون وتخزينه لسنوات عديدة؛ لذلك يمكن القول إن الحرائق تغذي التغيرات المناخية.

من بين 105 مدن حول العالم، تعتمد 33 مدينة على تجمعات المياه للحصول على مياه نظيفة، كما تقلل الأشجار والغابات من معدلات التعرية ومن ثم يتم منع وصول الترسبات إلى الأنهار والبحيرات الضرورية لإمدادات المياه.

الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالفيضانات ستصل إلى تريليون دولار على مستوى العالم بحلول عام 2050

في حالة حدوث حرائق بالغابات، تتأثر الأشجار والجذور التي كانت تساعد في إبطاء تدفق جريان المياه السطحي، فتتسرب الملوثات والرماد إلى البحيرات والأنهار والخزانات، ومياه الشرب تصبح أقل نقاءً.

إذاً هل تدرك أن حرائق الغابات تزيد من مخاطر الفيضانات؟.. إنها حقيقة لا يمكن إنكارها؛ لأن المدن بها العديد من الأرصفة والطرق التي تزيد من الجريان السطحي عند هطول الأمطار، وفي حالة وجود غابات بالقرب من المدن فإنها تصبح كالإسفنج والحواجز لحماية المصب من الفيضانات؛ لذلك تخيل عدم وجود الغابات بفعل الحرائق.

مخاطر اقتصادية

لحرائق الغابات تأثير مباشر وغير مباشر على اقتصاد الدول؛ فعلى سبيل المثال، تكلفة الآثار الصحية الناتجة عن دخان حرائق الغابات بالولايات المتحدة 16 مليار دولار سنوياً، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لمعهد الموارد العالمية.

حدوث فيضانات بعد حرائق الغابات يدمر البنية التحتية ويعطل سلاسل التوريد، ويمكن أن تصل الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالفيضانات إلى تريليون دولار على مستوى العالم بحلول عام 2050، إذا استمرت الحرائق على هذا النحو.

في صيف 2018، ألغى 11٪ من السياح رحلاتهم إلى كاليفورنيا بسبب مخاوف من حرائق الغابات، حتى في المناطق التي لم تتأثر بها، وأدى ذلك إلى خسارة إيرادات قدرها 20 مليون دولار لاقتصاد السياحة للولاية في شهر واحد فقط؛ حيث ضربت الحرائق قطاع السياحة ورفعت معدلات البطالة.

الأبحاث التي أجراها معهد الموارد العالمية أزاحت الستار بدورها عن أن خفض الانبعاثات الحضرية بنسبة 90٪ بحلول عام 2050 سيحقق ما يقرب من 24 تريليون دولار من الفوائد الاقتصادية.