أطفال الأنابيب المرجانية.. جراحات لإنقاذ حدائق البحر الأحمر


فيروز ياسر
الخميس 20 يوليو 2023 | 02:41 مساءً

جنة تحت سطح البحر الأحمر ترسم ملامحها الشعاب المرجانية.. كائنات صغيرة وملونة بشكل مبهج تحت الماء كأنها أشبه بالحدائق، تغطي مساحة أقل من 1% لكنها اللبنة الأساسية لنظام بيئي بحري، بتوفيرها الغذاء والموائل لمناطق التكاثر، ودعم 25% من الكائنات البحرية؛ من ضمنها أربعة آلاف نوع من الأسماك.

ليست الكائنات البحرية وحدها المستفيدة من الشعاب المرجانية، بل البشر كذلك؛ لأنها تحمي الشواطئ من تأثير الأمواج الكثيفة، كما تُستخدَم في صناعة الأدوية، ومن ثم فإن قيمتها كبيرة جداً.

زيادة وتيرة التغيرات المناخية تسببت في مواجهة الشعاب المرجانية خطر الانقراض عالمياً؛ حيث عانت من التدهور بنسبة تزيد على 50% خلال الخمسين عاماً الماضية، وكلما ارتفعت درجة حرارة المحيطات وزاد تحمضها فإنها تقضي على 90% من الشعاب بالعالم بحلول عام 2050.

الألوان النابضة بالحياة التي تشاهدها في الشعاب المرجانية يرجع الفضل فيها إلى نوع من الطحالب الصغيرة تُسمى zooxanthellae وتعيش داخلها، وتعتبر العلاقة بينها وبين الشعاب تكافلية؛ ففي مقابل حصولها على مأوى داخل أنسجة الشعاب، فإن هذا النوع من الطحالب يوفر الغذاء والمغذيات للمرجان.

أزمة هذه الطحالب أنها حساسة، وإذا أصبحت درجة حرارة المياه مرتفعة فإنها تُطرد من مضيفها نتيجة الإجهاد الحراري. ونتيجة لذلك تفقد الشعاب مصدرها الرئيسي للغذاء، وتصبح بيضاء حيث تعاني من الابيضاض.

بعض الشعاب المرجانية في خليج العقبة بالبحر الأحمر يمكنها تحمل درجات حرارة أعلى لأن جذورها تعود إل المحيط الهندي

رغم أن الشعاب المرجانية لا تزال على قيد الحياة، لكن باختفاء الطحلب الصغير لا يمكنها البقاء حية طويلاً، وتتعرَّض للموت في النهاية بالتزامن مع استمرار ارتفاع درجة حرارة المياه وعدم عودة مصدر غذائها، ثم يختل النظام البيئي البحري، وتفقد المحيطات التنوع البيولوجي الهائل، وهذا ينتج عنه خسارة مصايد الأسماك، وبالتبعية معاناة ملايين الأشخاص المعتمدين على الكائنات البحرية في غذائهم.

بارقة أمل

في عام 2020، اكتشف الباحثون أن بعض الشعاب المرجانية في خليج العقبة بالبحر الأحمر يمكنها تحمل درجات حرارة أعلى، ويعود السبب في هذه الميزة الفائقة إلى التدرج القوي بدرجات الحرارة في خطوط العرض.

يقول سيباستيان شميدت روتش من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (KAUST) في السعودية، إن صغر حجم الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر سبب آخر لتحملها الحرارة، كما أن بعضها انتقل من المحيط الهندي الأعلى في درجات الحرارة وصولاً إلى البحر الأحمر الأقل؛ ما زاد قدرتها على التكيف مع الاحترار الحالي.

أراد كل من مانويل أراندا وشيمدت روتش الأستاذين بجامعة الملك عبد الله، بجانب باقي المجموعة البحثية المعروفة باسم Coral Hub، تعزيز الإنجاب الطبيعي لمستعمرات الشعاب المرجانية القادرة على التحمل الحراري، وبمجرد تحديدها بشكل طبيعي في البيئات الأكثر دفئاً، فإنها تتكاثر مع العديد من الأنواع الأخرى، ثم تصبح جميعها أكثر مقاومةً للحرارة.

بتشجيع الشعاب المرجانية المقاومة للحرارة على التزاوج، يتم تحافظ على التنوع البيولوجي، والحصول على فرصة لمواكبة التغير السريع في المناخ بدلاً من الاتجاه إلى زراعة الشعاب.

مشروع البحر الأحمر

لأن الشعاب المرجانية غير مرتبطة بالأرض، يمكن للباحثين إمدادها بالظل لتقليل الإجهاد الحراري أو خفضها إلى مياه أعمق وأكثر برودةً، ويمكنهم حتى نقل الحضانة بأكملها إلى مكان أفضل، كما يحتاجون إلى أن تكون الشعاب قريبة للتكاثر لإعادة تكوين السكان ومواجهة وقائع الابيضاض؛ لذا طورت جامعة الملك عبد الله تقنيات تقدم ملاحظات حول أداء هذه الكائنات وفرص نجاحها.

ابيضاض الشعاب المرجانية

استخدم الباحثون بنية متطورة لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد عالية الدقة للشعاب المرجانية بأكملها في نحو 300 موقع؛ حيث يستغرق من 6 إلى 12 شهراً لإنشاء صورة كاملة تساعد العلماء على ملاحظة التغيرات الدقيقة في الشعاب المرجانية؛ وذلك حسبما ذكرت صحيفة إندبندنت.

التساؤل الأكثر أهميةً: هل نجاح المستعمرات المرجانية بالبحر الأحمر يعود بالنفع على الشعاب المرجانية المتدهورة في أماكن أخرى؟ وفقاً للبروفيسور أراندا فإنه من خلال التزاوج بين الشعاب المرجانية داخل وخارج المنطقة يمكن أن تنتشر هذه الكائنات المقاومة للحرارة إلى مجموعات مرجانية أخرى.

مقاومة الحرارة

اهتمام المؤسسات العالمية بالشعاب المرجانية جعلها تتوصل إلى تقنيات يمكنها إعادة الأنواع المفقودة أو المتضررة من خلال عملية تكاثر طبيعية تُسمى Coral IVF تحدث مرة واحدة في العام.

وشاركت مؤسسة أسترالية غير ربحية تقنيتها التي تقوم على تخصيب بيض الشعاب المرجانية الصغيرة في أحواض عائمة مصممة خصيصاً لها، وبعد تشكل اليرقات، يطلق الباحثون الشعاب الصغيرة في الماء بالقرب من القاع؛ حيث تستقر وتلتصق وتبدأ في النمو تماماً كما تفعل بشكل طبيعي.

يمكن للباحثين إمداد الشعاب المرجانية بالظل لتقليل الإجهاد الحراري أو خفضها إلى مياه أعمق وأكثر برودةً ويمكنهم حتى نقل الحضانة بأكملها إلى مكان أفضل

كشفت نتائج التجربة ارتفاع صغار المرجان المستقرين على الشعاب المرجانية بفضل "أطفال الأنابيب المرجانية" التي تم استخدامها، وهذا أدى إلى تسريع عمل الطبيعة، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي للمؤسسة Great Barrier Reef Foundation.

تشير الدلائل المبكرة إلى أن ما أطلق عليه العلماء "أطفال الأنابيب المرجانية" تزيد من حجم صغار الشعاب التي تستقر برفقة نظيرتها الكبيرة في قاع البحر؛ ما يؤدي إلى تسريع وتضخيم عمل الطبيعة.

ابيضاض الشعاب المرجانية

استغلال القطع المكسورة

من بين التقنيات الأخرى المستخدمة بالمؤسسة الأسترالية، جمع القطع المكسورة من المرجان من قاع البحر وزرعها في مشاتل تحت الماء، وعندما تكون جاهزة، يتم وضعها بالمناطق المتضررة من الشعاب المرجانية باستخدام جهاز مبتكر اسمه "كورال كليب" باعتبار ذلك أسلوباً لإعادة الزراعة السريعة.

صورة من  Australian Institute of Marine Scienceصورة من Australian Institute of Marine Science

يربط "كورال كليب" الشعاب المرجانية بعضها ببعض دون الحاجة إلى عوامل الترابط الكيميائي؛ فهذه الطريقة أسرع وأرخص من الطرق التقليدية وقد ساهمت في معدل بقاء مرجاني بنسبة 85٪.

بما أن الشعاب المرجانية تستغرق قروناً للتعافي، فإن تنقية الزرع ساعدت على نمو بقايا الشعاب بحجم 5 سم منذ عام 2018 ثم زاد نموها أكثر مؤخراً، ومن ثم ستنتج آلاف الشعاب المرجانية الصغيرة على مدار حياتها للمساعدة في إعادة إعمار الشعاب المرجانية التالفة.