من رحم أزمات الكوكب ولدت مبادرات حصار التغيرات المناخية التي لم تتوقف على الجانب البيئي فقط، بل تشكل جانباً فكرياً مجتمعياً في بعض البلاد العربية، فأصبح الأفراد يتحدثون عن قضايا المناخ مع ارتفاع الحرارة أو انخفاضها أو تلوث الهواء والماء الناجم عن النفايات.
لجوء بشري كانت الجنسيات العربية جزءاً منه إلى إعادة التفكير في وضع حلول سريعة وفعالة للتكاتف مع الوطن والمساهمة في حل المشكلة؛ لإنقاذ الكوكب من الكوارث الطبيعية، وهذا ما حدث في مبادرة "كورنيش غزة نظيف" بفلسطين.
لدعم فكرة الاستدامة، أطلقت بلدية غزة مبادرة "كورنيش غزة نظيف" لمدة 200 يوم، أثناء موسم المصيف 2023؛ إذ يتردد على الكورنيش 50 ألف شخص في أيام الذروة، و20 ألفاً في بقية أيام الأسبوع؛ لرفع الوعي المجتمعي بضرورة الحفاظ على نظافة البيئة من خلال فرز النفايات، خصوصاً أن البلدية ترفع دائماً شعار "شركاء في التنمية".
خطوة وجدت بلدية غزة فيها فاعلية؛ لما تتميز به المبادرات من الجماعية بشكل واضح وكبير، بدلاً من التركيز على السلوكيات السلبية للأفراد، وتطبيق المخالفات عليهم، ولعل هذا ما سجله منسق الأنشطة والمبادرات في بلدية غزة حاتم المبيض، خلال حديثه إلى "جرين بالعربي"، مقدماً خارطة طريق تحمل أهدافها التي تسعى إليها منذ إطلاقها.
غزة تتنفس مجدداً
قال منسق المبادرة إنها انطلقت في بداية شهر مايو الماضي، وتركز على تحذير أبناء قطاع غزة من خطورة المخلفات والنفايات على البيئة، ويستخدمون طرقاً سهلة ومعتادة على المواطنين من خلال توزيع أكياس لوضع النفايات الصلبة بها.
تساهم النفايات الصلبة بشكل مباشر في زيادة معدلات غازات الاحتباس الحراري؛ إذ تحفز على توليد غاز الميثان الناتج من التحلل اللاهوائي للنفايات في المدافن المخصصة لها، علاوة على انبعاث أكسيد النيتروز من مرافق حرق المخلفات الصلبة.
مبادرة "كورنيش غزة نظيف" ممتدة إلى 200 يوم خلال الصيف الحالي في ظل تردد 50 ألف شخص في أيام الذروة على الكورنيش بهدف رفع الوعي المجتمعي للحفاظ على نظافة البيئة
"المبيض" أشار إلى مساعي بلدية غزة لضمان استمرارية المبادرة بعد انقضاء الـ200 يوم المخصصة لها، بعد أن أظهرت إيجابية رد فعل السكان بالمنطقة، وكانت هناك مشاركة واسعة من العائلات والمؤسسات والأطفال، لتحويل كورنيش غزة إلى كوكب صغير نظيف دون انبعاثات ضارة.
ومضى المسؤول الغزاوي في حديثه بالقول: "لاحظنا أن هناك تفاعلاً كبيراً على الصفحات الخاصة بهم على موقع (فيسبوك) من مختلف الفئات العمرية؛ إذ يرغب الجميع في المشاركة، والتسجيل السريع في المبادرة، قبل انتهاء المدة المحددة.
فعاليات تحفيزية
شارك فريق فلسطيني يُدعى "إحنا" في الفعاليات؛ للتحدث مع المواطنين عن آثار مخلفات الطعام على البيئة، والطريقة الصحيحة للتخلص منها، كما شاركت جمعية الخريجات الجامعيات لتلوين المقاعد الإسمنتية على شاطئ البحر بمشاركة رئيس بلدية غزة الدكتور يحيى السراج ووفد هولندي.
واستغل أعضاء المبادرة وجود المصيفين على الشواطئ لتوزيع رسائل إرشادية تدعوهم إلى التوقف عن إلقاء القمامة التي تتسرب إلى البحر؛ ما يؤذي الكائنات البحرية ويلوث الماء.
ونبه المبيض إلى أنهم ينظمون فعاليات ثقافية بشكل دوري وأنشطة للأطفال لدمجهم في العمل التطوعي، وترسيخ فكرة الحفاظ على البيئة في عقولهم بطريقة سهلة؛ إذ شارك مخيم راشيل كوري مع قصر الثقافة في العمل التطوعي، وتولى الأطفال مهمة تنظيف شاطئ البحر من المخلفات.
المبادرة الغزاوية تستغل وجود المصيفين على الشواطئ لتوزيع رسائل إرشادية تدعوهم إلى التوقف عن إلقاء القمامة التي تتسرب إلى البحر وتؤذي الكائنات البحرية وتلوث الماء
ليس هذا فحسب، بل شاركت مؤسسة "Tamer Institute for Community Education" في المبادرة لتشجيع الأطفال على جمع المخلفات، عن طريق توزيع حقائب "الكتب والخيال"، تحفيزاً لهم على الاستمرار في مساعدة ذويهم، باعتبارهم نواة المستقبل، وهم من سيكملون المشوار، لتكون مدينتهم خالية من الملوثات والنفايات التي تؤثر على الصحة.
وشاركت البلدية جامعات فلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، في إطلاق هذه الحملة بدعم ما يزيد على 200 متطوع، سيعملون على تنفيذ حملات توعوية، وتنسيق الأنشطة على كورنيش مدينة غزة، وفتحت البلدية الباب للشركات والمؤسسات الكبرى من أجل المشاركة في الحملة، ودعم المتطوعين والسكان.
وأخيراً يرى رئيس بلدية غزة الدكتور يحيى السراج، أن البلدية تتبنى هذه المبادرة ضمن سلسلة مبادرات أخرى؛ تعزيزاً للوعي المجتمعي في المدينة والشراكة مع المجتمع المحلي للحفاظ على نظافة المدينة، وتعزيز القيم الإيجابية لدى المواطنين.