يثير وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا الكثير من المخاوف المناخية بسبب آرائه الجدلية والمشككة في النظريات العلمية وتغير المناخ، لكن تألق زوجته ميلانيا ترامب خلال حفل التنصيب واختيار إطلالتها التي تحمل توقيع علامات ذات فلسفة خاصة، قد يحمل بعض الرسائل البيئية الإيجابية.
على مدى عقود طويلة استطاعت سيدات أمريكا الأوائل توجيه صناعة الموضة أو تأسيس نهج جديد لتسليط الضوء على قضية معينة وتشجيع مصممين يتبنون أفكاراً مميزة.. فهل تصدر ميلانيا ترامب للمشهد ودعمها للقيم المستدامة في عالم الموضة، يمكن أن يلعب دوراً في تعديل كفة الميزان حتى تميل -ولو قليلاً- لصالح كوكب الأرض؟ أملاً في أن يخفف ذلك بعض الخسائر المناخية المتوقعة خلال ولاية ترامب الجديدة.
إطلالة تدعم الموضة البطيئة
اعتمدت ميلانيا ترامب خلال حفل التنصيب زياً يحمل كل السمات المميزة لأسلوبها كسيدة أولى، مظهر جاد وأنيق بلمسة جمالية دراماتيكية متمثلة في القبعة التي خطفت الأنظار.
مصدر الصورة: AP
وارتدت ميلانيا ترامب معطفاً طويلاً ومفصلاً باللون الأزرق الداكن، نسقته مع قميص وتنورة، لتكتمل إطلالة الـ"مونوكروم" أو أحادية اللون الأنيقة، لكنها بعيدة تماماً عن الصيحات الملفتة والألوان المميزة، مجرد معطف طويل لكنه يتسم بقصة متقنة وحياكة يدوية مع لون محايد وهادئ، وهذا هو جوهر مفهوم الموضة البطيئة، الذي يعتمد على تصاميم خالدة ومثالية تعيش طويلاً، حتى تحقق مبدأ الجودة والاستدامة.
وظهر تيار الموضة البطيئة كرد فعل معارِض، في مواجهة انتشار الموضة السريعة، ليتبنى فكرة الأزياء الخالية من الصيحات الموسمية التي يقلدها مصنعو الموضة السريعة، ويغرقون بها الأسواق العالمية، ثم بعد فترة تتحول إلى أكوام من النفايات المهملة تُثقِل كاهل الكوكب، حتى باتت صناعة الموضة تنتج 4% من نفايات العالم كل عام، وهكذا جاءت إطلالة ميلانيا ترامب ناعمة ودون تفاصيل كثيرة، ترمز لمبدأ الجودة والأصالة مع الاستدامة.
الابتعاد عن الكبار
تعد الموضة من أكثر الصناعات الملوثة للبيئة، وتنتج مع قطاع الأحذية 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالطبع يتحمل كبار صناع الأزياء الجزء الأكبر من المسؤولية لأنهم يستطيعون إبطاء عملية الإنتاج العالمي والدعوة لاعتماد ممارسات أكثر استدامة، لكن على العكس، تستمر كبرى العلامات التجارية في استغلال موارد الكوكب؛ لذلك يركز مفهوم الموضة المستدامة على تشجيع العلامات المحلية البعيدة عن النادي النخبوي في عالم الأزياء، وهذا ما فعلته ميلانيا ترامب.
خلال حفل تنصيب دونالد ترامب للولاية الأولى عام 2017، تعرضت السيدة الأولى للتجاهل من دور الأزياء العالمية، التي كانت حذرة حينها من الارتباط باسم الرئيس، خوفاً من مواقفه السياسية، وفي النهاية ارتدت فستاناً باللون الأزرق السماوي من تصميم المصمم الشهير رالف لورين.
حفل تنصيب ترامب 2017- CNN
ومع عودة ترامب بفوز ساحق إلى البيت الأبيض للولاية الثانية، يبدو أن الأمر كان مختلفاً هذه المرة، حيث تهافتت أيقونات الموضة الأمريكية والأوروبية على تصميم الإطلالة الأولى لسيدة أمريكا الجديدة، حسب صحيفة "ديلي ميل".
ميلانيا ترامب تجاهلت كل الأسماء العملاقة واختارت مصمم الأزياء الأمريكي آدم ليبس، والقبعة من تصميم الأمريكي إريك جافيتس، وكلاهما من خارج دائرة الأسماء المعروفة بصناعة الأزياء، ما يمثل تحولاً ملحوظاً في أسلوبها لدعم العلامات المحلية الأقل شهرة، والأهم أن هذه العلامات التجارية تتبنى مفهوم الموضة المستدامة والمسؤولة.
يضع مصمم القبعة إريك جافيتس البيئة على أولوية أجندته، ويركز على صناعة إكسسوارات عصرية تلتزم بحماية النظام البيئي، عبر اعتماد الألياف الطبيعية مثل قش القمح وأعشاب البحر والمواد المعاد تدويرها بهدف تقليل البصمة الكربونية والنفايات، ومن أبرز إبداعاته قبعة القش المستدامة.
أما الإطلالة التي تحمل توقيع آدم ليبس، الذي يعتمد أساليب الحرف اليدوية، وهو ما ظهر في معطف السيدة الأولى الذي تمت حياكته يدوياً، وتتمتع التقنيات التقليدية والحرف اليدوية بأهمية كبيرة تتجاوز الجمال، فهي تتميز بالجودة والمتانة وتقليل الاعتماد على الآلات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وتحترم التراث والثقافة وتدعم سبل عيش الحرفيين، على عكس الموضة السريعة وخطوط الإنتاج الكبيرة المتهمة بعدم احترام حقوق العمال واستغلال عمالة الأطفال.
لا مكان للتقاليد الصارمة
وقفت "ميلانيا" خلف الرئيس المنتخب دونالد ترامب وهي ترتدي قبعة من الطراز البحري، المعروفة باسم "boater"، وهي قبعة صيفية شبه رسمية، مستوحاة من قائدي الجندول في البندقية؛ وهي قبعة تقليدية في المدن البحرية معتدلة المناخ، وليس في العاصمة واشنطن الباردة، وفقاً لحديث مصممة أزياء المشاهير وخبيرة الموضة لورين روثمان لموقع "بي بي سي".
وتوضح خبيرة الموضة أنه رغم هذا التناقض، فقد خطفت القبعة الأنظار وحازت على إعجاب الكثيرين، ويمكن القول إن ميلانيا ترامب صنعت توقيعها الخاص في عالم الموضة، فبهذه القبعة استطاعت سيدة أمريكا الأولى أن تكسر تقاليد الأناقة الصارمة والصيحات الموسمية، التي قد ترفض اعتماد قبعة صيفية أثناء الشتاء، مما يتسبب في نشر نمط استهلاكي موسمي يضر بالبيئة ويستهلك مواردها.
هل تستطيع ميلانيا ترامب تقديم الدعم الحقيقي لقضية البيئة؟
قد تبدو السيدة الأولى بمظهر محافظ تقليدي يحاول دعم آراء زوجها دونالد ترامب، المعروف بإنكاره وتشكيكه في قضية المناخ، لكن كشفت مذكرات ميلانيا ترامب، والتي تصدرت قائمة الكتب الأعلى مبيعاً في نيويورك تايمز، معارضة السيدة الأولى لبعض قرارات زوجها مثل الإجهاض والهجرة.
وأعلنت "ميلانيا" أنها من المؤيدين المتحمسين لاستقلال المرأة وحقها في الاختيار بعيداً عن أي تدخل أو ضغط من الحكومة، ووصفت صحيفة "الجارديان" قرارها بأنه مثير للإعجاب نظراً لقربها من رئيس جمهوري مثل "ترامب"، ويشير ذلك إلى إمكانية أن تخرج "السيدة الأولى" عن عباءة زوجها وتساند قضية البيئة في أي وقت.
مصدر الصورة: AP
كما كشفت الولاية الأولى لـ"ترامب"، عن بعض الزوايا المختلفة في شخصية "ميلانيا" التي تبرعت بزي حفل التنصيب الأول عام 2017 لمعرض المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي.
وتبنت "ميلانيا" حملة "Be Best" التي تركز على قضية صحة الأطفال والشباب، ورغم أن الحملة ليست بيئية بشكل صريح، لكنها أرست الأساس لبعض الممارسات المستدامة، حيث تشير الأخصائية النفسية البيئية، إميلي جرين، إلى أن الحملة تدعم بشكل غير مباشر العادات الرقمية المستدامة من خلال تعزيز رفاهية الأطفال وسلامتهم على الإنترنت، والحد من النفايات الإلكترونية واستهلاك الطاقة.
ربما تكشف الولاية الجديدة لدونالد ترامب وعائلته داخل أروقة البيت الأبيض عن نموذج جديد للسيدة الأولى التي تدعم الموضة الخضراء، وتهتم بنشر الممارسات المستدامة من أجل مستقبل الأطفال، رغم تصريحات زوجها المُشككة في أزمة المناخ.