تحتفل أمريكا اليوم بتنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي أصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، وتأتي مراسم التنصيب بعد حوالي أسبوعين من اشتعال حرائق كاليفورنيا، التي وصفت بـ"أسوأ كارثة طبيعية" في تاريخ البلاد.
ألسنة نيران لوس أنجلوس التي أعادت دق ناقوس الخطر محذرة العالم من توحش أزمة المناخ، تأتي بالتزامن مع احتفالات العاصمة واشنطن ببداية فترة رئاسية جديدة لـ"ترامب"، لتُذكّر المجتمع الدولي بعودة واحد من كبار المشككين في قضية المناخ إلى البيت الأبيض، وتولي حكم أمريكا، الدولة صاحبة النفوذ الأقوى بالعالم.
إنكار قضية المناخ
الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي وصف تغير المناخ بأنه "خدعة"، لم يتوان في استخدام كارثة الحرائق، ومن قبلها إعصار "ميلتون" ثالث أقوى إعصار في تاريخ الولايات المتحدة، من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية، وهو ما دفع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إلى انتقاد الرئيس الجمهوري الجديد، مشيرة إلى تهديده السابق بحجب تمويل مكافحة حرائق الغابات عن كاليفورنيا، في حال رفض حاكمها تطبيق سياسته الخاصة بالمياه داخل الولاية الذهبية.
ومن جانبها، وصفت صحيفة "الجارديان" أسلوب ترامب في التعامل مع حرائق لوس أنجلوس بأنه "تسييس" لقضية المناخ.. فهل يسعى الرئيس الأمريكي الجديد إلى استغلال أزمة المناخ وتحقيق المكاسب على المستوى المحلي فقط؟ أم ستمتد هذه السياسات إلى خارج حدود الولايات المتحدة؟
خريطة أمريكا الجديدة
قبل أيام من تنصيبه، بدأ "ترامب" في رسم خارطة جديدة للولايات المتحدة، معلناً عن رغبته في السيطرة على قناة بنما، وكندا وجرينلاند.
ويرى الباحث السياسي في جامعة هارفارد، جوس جوزيف، أن أجندة "ترامب" التوسعية لا تعكس أطماع جيوسياسية فقط، بل أيضاً "أطماع مناخية"، مشيراً إلى أن "ترامب" يبدو أقل استعداداً لمكافحة تغير المناخ، وعلى العكس هو أكثر عزماً على الاستفادة منه.
ما هي الدوافع المناخية وراء أجندة ترامب التوسعية؟
1- القطب الشمالي وأزمة المياه الأمريكية
يعاني الغرب الأمريكي من نقص المياه والطاقة منذ عدة أعوام، ومع ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف انخفض مستوى المياه في السدود، ولم يعد من الممكن تشغيل محطات الطاقة الكهرومائية، وفقاً لتحذير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وإذا كانت تداعيات تغير المناخ في الولايات المتحدة الأمريكية تؤدي إلى انخفاض هطول الأمطار، ففي القطب الشمالي تدفع هذه التأثيرات إلى تسارع ذوبان الجليد.
وتمثل الأنهار المتجمدة ومناطق الجليد العالمية مصدراً لـ75% من كمية المياه العذبة على سطح الكرة الأرضية، وبالتالي يمتلك القطب الشمالي نسبة كبيرة من المخزون الاحتياطي العالمي للمياه العذبة.
وحسب مقال الباحث السياسي جوس جوزيف، المنشور في صحيفة "The Hill" الأمريكية المتخصصة في الشؤون السياسية، من المتوقع أن يكون هناك سباقاً على المياه العذبة نتيجة الاحتباس الحراري وندرة المياه.
ويتطلع "ترامب" إلى تأمين المياه عبر فرض سيطرته على الأنهار الجليدية في كندا وجرينلاند، الجزيرة التي تقع في الشمال الشرقي من قارة أمريكا الشمالية، لكنها من الناحية الجيوسياسية جزءاً من أوروبا لأنها تحت حكم الدنمارك.
وأضاف الباحث السياسي أن كندا قد واجهت بالفعل ضغوطاً متزايدة من بلدان أخرى لتصدير المياه، لكن "ترامب" ليس من النوع الذي يرغب في التنافس مع بلاد أخرى حول المياه، بينما يستطيع الاستيلاء على ما يريد.
2- ممرات التجارة العالمية
وجراء ذوبان الثلوج سوف تُفتح ممرات شحن وطرق تجارة كان من المستحيل الإبحار فيها على مدى قرون من الزمان، وحدث ذلك أيضاً بفعل التغير المناخي، حيث تسارع ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي منذ أواخر القرن العشرين نتيجة الاحتباس الحراري، وتقلصت أكبر كتلة جليدية عائمة في المنطقة بنسبة 42%، حسب دراسة حديثة لمعهد ألفريد فيجنر للأبحاث القطبية والبحرية الألماني.
تراجع هذه الأنهار الجليدية يؤدي إلى فتح المسارات البحرية المتجمدة عبر شمال كندا وجزيرة جرينلاند -أكبر جزيرة في العالم- والتي تعتبر بمثابة بوابة عبور استراتيجية بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي.
ومع تحول الطرق القطبية الى مسارات بحرية أكثر قابلية للملاحة سوف تقع الجزيرة على الطريق البحري الأقصر بين أوروبا وأمريكا الشمالية.
3- ثروات جرينلاند
تحتوي الجزيرة على الكثير من الموارد الطبيعية المدفونة تحت التربة الصقيعية، مثل النفط والغاز الطبيعي والموارد المعدنية بما في ذلك معادن الليثيوم والجرافيت، اللازمين لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، وبالتالي تجذب مجموعة الاستثمارات تلك الشركات الرائدة ومنها شركة "تسلا" لصاحبها إيلون ماسك، الذي أصبح مستشاراً مقرباً لترامب بعد دعم حملته الانتخابية.
انحسار المناخ شبه القطبي وذوبان التربة الصقيعية في جرينلاند سوف يؤدي إلى تسهيل عمليات التنقيب عن النفط والغاز واستخراج المعادن، وزيادة استثمارات قطاع التعدين، التي يعارضها سكان الجزيرة الأصليين "الإنويت".
وحسب مجلة "تايم"، ينظر ترامب إلى جرينلاند باعتبارها قطعة عقارية غير مستغلة بشكل كاف، مع كنز من الموارد الطبيعية النادرة المدفونة تحت أكوام الجليد المذابة.
4- قناة بنما وتخفيض الرسوم الجمركية
على عكس كندا وجرينلاند، تعاني بنما من الوجه الآخر لكارثة المناخ وهو الجفاف، الذي تسبب في انخفاض مستوى المياه بالقناة التي تعد الممر الرئيسي بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ويمر عبرها نحو 14 ألف سفينة سنوياً.
وخلال العام الماضي ارتفعت تكاليف عبور قناة بنما بسبب موجات الجفاف التاريخي، وفرضت السلطات رسوماً مرتفعة على السفن العابرة للقناة لمواجهة هذه التحديات البيئية، وحسب هيئة قناة بنما، فإن نحو 75% من البضائع المارة عبر الممر المائي خلال هذا التوقيت كانت متجهة إلى الولايات المتحدة أو قادمة منها.
وطالب الرئيس المنتخب دونالد ترامب بنما بخفض الرسوم الجمركية على القناة، متهماً الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى بفرض "أسعار باهظة وغير عادلة " على السفن الأمريكية، حسب موقع "بي بي سي"؛ لذلك يتوقع مراقبون أن تهديد "ترامب" بمحاولة استعادة السيطرة على قناة بنما هو مجرد مناورة واستغلال للظروف المناخية التي تمر بها البلاد، من أجل الوصول إلى اتفاق لتخفيض الرسوم أو إلغائها على الحاويات الأمريكية.
منذ عدة أشهر، قال "ترامب" إن ارتفاع مستويات سطح البحر، الناجم عن ذوبان الأنهار الجليدية، من شأنه أن يؤدي إلى وجود المزيد من العقارات المطلة على المحيط.. هكذا يرى الرئيس الأمريكي المنتخب قضية التغير المناخي وتداعياتها الخطيرة على البيئة.
وإذا كانت كندا وجرينلاند وقناة بنما -من وجهة نظر العالم والمجتمع العلمي- ضحايا الاحتباس الحراري والظواهر المتطرفة، لكن بالنسبة للرئيس الجديد هي فرص مستقبلية قد تساعده في رسم خارطة أمريكا الجديدة، متناسياً أن أزمة المناخ لا تعرف حدود جغرافية ولا يوجد مكان بمأمن من آثارها، وحرائق كاليفورنيا الكارثية خير دليل.