حاول الباحثون لسنوات طويلة فك لغز العمر الطويل الذي يتمتع به بعض المعمرين في أماكن مختلفة حول العالم، واعتماداً على تحليل البيانات العالمية رصد العلماء بعض الأسباب المحتملة للعمر الطويل، وقد توصلوا إلى أن أهم الأسرار يكمن في تبني نمط حياة صحي وطبيعي.
نظرية المناطق الزرقاء
في مطلع الألفية الثالثة، صاغ عالم الأوبئة الإيطالي جياني بيس، والباحث البلجيكي في علم السكان مايكل بولين، مصطلح "Blue Zone" بهدف الإشارة إلى المناطق التي يعيش سكانها أعماراً طويلة تفوق المعدل الطبيعي في باقي بقاع العالم.
وبعد فترة، تعاون معهما الصحفي الأمريكي "دان بوتنر" الذي ألف كتاب "The Blue Zones: Secrets for Living Longer"، حيث يأخذنا إلى 5 مجتمعات بها أعلى عدد من المعمرين على وجه الأرض، هي: سردينيا في إيطاليا، وإيكاريا في اليونان، ونيكويا في كوستاريكا، وأوكيناوا في اليابان، ولوما ليندا في كاليفورنيا الأمريكية.
وقد أرجع الصحفي الأمريكي أسباب طول العمر داخل هذه المناطق إلى مزيج من العادات المجتمعية وأسلوب الحياة والنظام الغذائي، وعند دراسة أنماط حياة سكان المناطق الزرقاء، سيتضح بسهولة أنها تتضمن سمات متشابهة تعتمد في أغلبها على أساليب مستدامة وممارسات تحترم الطبيعة.
وفيما يلي بعض الطرق والعادات المستوحاة من المناطق الزرقاء والتي تصب في مصلحة صحتك ومصلحة البيئة:
1-النظام الغذائي
يعتمد المعمرون في هذه المناطق على نظام غذائي طبيعي مستدام يتكون من الكثير من الفاكهة والخضراوات والبقوليات والأعشاب البرية وزيت الزيتون، والأسماك مع القليل من الأطعمة الحيوانية.
والتركيز على المحاصيل المحلية المتوافرة في البيئة المحيطة، والمبدأ الأساسي لدى هؤلاء المعمرين هو تناول كميات صغيرة والتوقف عن الأكل عند الشعور بالشبع بنسبة 80%، ما يبعدهم عن البدانة وأمراض القلب ويقلل النفايات الغذائية المنزلية، والتي تقدر بنحو 74 كجم للفرد سنوياً، ما يُهدر ثلث الغذاء على مستوى العالم، حسب تقرير مؤشر نفايات الأغذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
2-النشاط البدني
تعد الحركة عاملاً أساسياً في عملية إطالة العمر؛ فهم يبقون دائماً نشطين لكن بطرق طبيعية وصديقة للبيئة، مثل ممارسة الزراعة والمشي وقيادة الدراجات.
وبدلاً من الاستلقاء على الكراسي أو الأرائك، يمكنك الاستلهام من نهج سكان أوكيناوا اليابانية الذين يقضون المزيد من الوقت على الأرض، إما جالسين أو في وضع القرفصاء، بهدف تحقيق توازن ومرونة أفضل لأجسادهم، وتحسين صحة العمود الفقري.
ويمكنك إضافة الحركة إلى روتينك اليومي عن طريق أنشطة مفيدة للطبيعة مثل زراعة حديقتك الخلفية، فالحديقة تدفعك إلى إزالة الأعشاب الضارة وسقي النباتات وحصادها.
كما يمكنك تقليل بصمتك الكربونية عبر اعتماد المشي لمسافات طويلة؛ على غرار كبار السن الطليان الذين يحافظون على لياقتهم بفضل المشي وصعود السلالم والممرات داخل القرى الجبلية التي يعيشون فيها، ما يجعلهم مفعمين بالحيوية.
3-القيلولة القصيرة
وسط الأيام المزدحمة بالمهام، من الشائع تناول فنجان القهوة لاستعادة النشاط والتركيز، لكن ذلك على عكس عقلية قاطني المناطق الزرقاء، والتي تفضل تهدئة إيقاع الحياة وخفض السرعة من أجل شحن الطاقة من جديد.
فبدلاً من تناول المنبهات والكافيين، خذ قيلولة قصيرة لا تزيد على 20 دقيقة في فترة ما بعد الظهر، وهي عادة حياتية لسكان منطقة نيكويا الذين يميلون إلى البقاء مستيقظين حتى وقت متأخر للغاية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ولأنهم يستيقظون متأخرين، فإن القيلولة في منتصف اليوم باتت أمراً منطقياً ومفيداً جداً.
تعد القيلولة تقليداً قديماً، ورغم أن الحياة الحديثة تدفع هذه العادة إلى الانقراض تقريباً، فإن أحدث الدراسات العلمية تُظهِر أن القيلولة لمدة 20 دقيقة يمكن أن تعوض عن ساعة من النوم.
وتساعدك القيلولة على البقاء في حالة يقظة لباقي اليوم، كما أنها ممارسة مستدامة، فهي لا تستهلك الأراضي الزراعية والمياه، ولا تطلق انبعاثات أثناء إنتاجها على عكس محاصيل البن والشاي.
4-فلسفة التواصل مع الطبيعة الاستمتاع بالحياة
تنعم المناطق الزرقاء الـ5 بمناظر خلابة من الوديان والجبال والبحر والمساحات المفتوحة، كلها مشاهد تطيل العمر، وتزيد من التواصل مع الطبيعة وبالتالي احترامها والحفاظ عليها.
مع الاستمتاع بكل شيء حتى الطعام، سكان سردينيا يحرصون على مشاركة الطبخ مع العائلة ويأخذون الوقت الكافي للاستمتاع بأصوات تقطيع الخضراوات والروائح؛ ويعتبرون طاولة الطعام مكان للمتعة؛ ما يزيد شعورهم بالسعادة والرضا النفسي.
وقد أثبت الدراسات أن تناول الطعام بعيداً عن التلفزيون والأجهزة التكنولوجية يساعد الناس على الاعتدال والوعي في تناول الطعام، ما يقلل استهلاك المحاصيل الغذائية التي يهددها تغير المناخ.
والخلاصة أن طول الأعمار الاستثنائي لسكان المناطق الزرقاء هو مزيج من عدة عوامل لكنها في المجمل تعتمد على الاستدامة وحب الطبيعة واستعادة الهدوء النفسي، وكلها عادات سهلة يمكن أن تصبح جزءاً من نمط حياتنا اليومي.