ملاعب خضراء وأهداف مستدامة.. السعودية تكتب فصلاً جديداً في تاريخ المونديال


مروة بدوي
الاثنين 30 ديسمبر 2024 | 12:52 مساءً

حققت المملكة العربية السعودية إنجازاً جديداً يعكس الدور الريادي الذي تعيشه المملكة بالمجال الرياضي في إطار "رؤية 2030" الوطنية، بعد إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم 'الفيفا' رسمياً عن فوز الملف السعودي لاستضافة كأس العالم 2034، ومنحه أعلى تقييم فني في تاريخ ملفات استضافة كأس العالم.

تستضيف المملكة البطولة الرياضية الأكبر عالمياً، بوصفها أول نسخة من كأس العالم بمشاركة 48 منتخباً، مع تنظيمها داخل دولة واحدة، لذا قدمت المملكة ملفاً استثنائياً للاتحاد الدولي ولمجتمع المستطيل الأخضر حول العالم.

ويستند الملف السعودي على عدة ركائز داعمة أهمها شغف كبير تجاه اللعبة الأكثر شعبية بين الجمهور، مع نهج مسؤول ومستدام لتنظيم الحدث الكروي الأشهر بالعالم، حيث يُجسد شعار استضافة السعودية لمونديال 2034 "معاً ننمو" تطلعات الشعب السعودي وطموح المملكة إلى تطوير كرة القدم، وتعزيز تأثيرها الإيجابي محلياً ودولياً.

ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034

حصل الملف السعودي على تقييم مقداره 419.8 من أصل 500، وحسب تقرير التقييم الفني للفيفا، يقدم الملف عرضاً فريداً ومبتكراً وطموحاً لكأس العالم خلال العقد المقبل، حيث يجسد مبادرات المملكة المستمرة للتوسع والإصلاح، المدعومة بمشروعها الاستراتيجي الوطني "رؤية 2030".

ويرى الأمين العام للفيفا، ماتياس جرافستروم، أن المملكة تلعب دوراً متزايد الأهمية في تطوير كرة القدم، حيث اتخذت خطوات كبيرة لتنمية اللعبة على كافة المستويات المحلية والاقليمية؛ سواء كرة القدم الرجالي أو النسائية أو تنظيم المسابقات القارية مثل التنظيم المتميز لكأس العالم للأندية 2023.

الاستدامة ومونديال 2034

تتضمن "رؤية 2030" التزام المملكة بالاستدامة ودعمها ضمن الأهداف الوطنية، وفي نفس الإطار جعل الملف السعودي الاستدامة البيئية موضوعاً مركزياً في قلب العرض المقدم لاستضافة النسخة الخامسة والعشرين من كأس العالم.

يوفر ملف المملكة 2034 التزاماً تاماً بتقديم بطولة مسؤولة ومستدامة خلال جميع مراحل الاستعداد والمنافسة، مع دعم العمل المناخي العالمي والامتثال لمتطلبات الاستدامة الخاصة بالاتحاد الدولي لكرة القدم.

وحسب تقرير الفيفا، يعكس ملف السعودية إدراك الدولة المستضيفة للتأثير البيئي والمناخي الذي قد يخلفه إعداد واستضافة البطولة، ولذلك يقدم العرض عدة تدابير لمعالجة بعض التحديات المتعلقة بالبيئة، وتخفيف التأثير المحتمل، مع تنفيذ نظام إدارة مستدام للأحداث، من خلال تغطية جميع المجالات الآتية: 

1- معايير عالمية وصديقة للبيئة في البنية التحتية 

تشمل تصاميم الابنية التي سوف تستضيف فعاليات كأس العالم 2034 تعزيز أساليب البناء المستدامة، وإدارة الطاقة بكفاءة، وتقليل الانبعاثات، ومبادرات الحفاظ على المياه، وحماية التنوع البيولوجي بالمناطق المحيطة بالمنشآت.

بجانب اعتماد برامج ومبادرات إعادة الاستخدام والتدوير، مع التركيز على دعم الاقتصاد الدائري وإدارة النفايات، وتزويد الملاعب بأنظمة ري حديثة تهدف لتقليل استهلاك المياه واستغلال بعض الملاعب في حصاد مياه الأمطار. 

2- تصاميم مستدامة لملاعب المونديال 

تمثل الملاعب مركز اهتمام كبير خلال الأحداث الرياضية وخاصةً المونديال، وفيما يتعلق بالملف السعودي، هناك 15 ملعباً موزعة على 5 مدن لاستضافة كأس العالم 2034؛ منها 8 ملاعب داخل العاصمة الرياض، فيما ستحتضن جدة 4 ملاعب، وسيكون هناك ملعب واحد في كل من الخبر وأبها ونيوم.

تتمتع جميع الملاعب بتصاميم متطورة وعلى أحدث طراز، مع دمج الاستدامة كمبدأ أساسي في البناء، حيث تستهدف جميع الملاعب تحقيق شهادة البناء المستدام بما يعادل مستوى شهادة LEED الذهبية، أي التصميم والتنفيذ وفقاً لأعلى المواصفات والمقاييس في مجال الأبنية الخضراء، وهي الشهادة التي يعتمدها المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء USGBC.

وجغرافياً؛ تم تحديد مواقع الملاعب الجديدة بعناية عبر اتباع 4 معايير تأخذ الاستدامة والتنمية في الاعتبار:

المعيار الأول:

تكون منشآت متعددة الأغراض يمكن استغلالها على الأمد الطويل بعد البطولة مما يحقق التنمية المستدامة، عبر تخصيص بعض الملاعب للمنتخب الوطني وأندية الدوري السعودي للمحترفين، واستخدام البعض الآخر في الأحداث الرياضية والترفيهية الأخرى، مع إتاحة استخدامها للمجتمعات المحلية لتعزيز مستويات المشاركة والتواصل والعمل المجتمعي.

المعيار الثاني:

يتمثل في قرب الملاعب من أهم الوجهات السياحية والمساحات الخضراء وربطها بالمطارات والطرق الرئيسية، ما يساهم في تقليل الاعتماد على وسائل النقل، وبالتالي تخفيض الانبعاثات الكربونية والتلوث.

المعيار الثالث:

إحداث تأثير إيجابي على المجتمع المحلي والبيئة المحيطة.

المعيار الرابع:

القدرة على التكيف مع تغير المناخ وضمان متانة المباني ومقاومتها للأحداث المتطرفة.

وعبر استعراض تصاميم هذه الملاعب المقترحة؛ يمكن أن نرى أنها تدمج بين الموقع الفريد والاستدامة والهوية البصرية التي تعكس الاهتمام بالبيئة الطبيعية: 

ملعب الملك سلمان الدولي

ملعب رائد بمرافق حديثة سيستضيف مباراتي الافتتاح والنهائي لكأس العالم 2034، ويتميز بقربه من المواقع الحيوية مثل المطار الدولي بالرياض، والاتصال بمحطة قطار الرياض، ومحاور الطرق الرئيسة، ما يُسهّل الوصول إليه، ويُخفض الانبعاثات الكربونية. 

من المقرر أن يُزود الملعب بأنظمة تبريد مستدامة لمقاعد الجمهور، مع مجموعة من الحدائق الداخلية ومضمار للمشي حول منتزه الملك عبد العزيز؛ وبعد المونديال سيكون الملعب المقر الرئيسي للمنتخب السعودي.

ملعب الأمير محمد بن سلمان

يقع في قلب مشروع القديّة، وهو مشروع تنموي لتطوير المناطق الصحراوية مع الحفاظ على البيئة الفطرية، الملعب يتميز بتصميم فريد يحتوي على ألواح شمسية وشاشات "ليد" زجاجية لتوفير الطاقة  وإضفاء لمحة مميزة.

ملعب مدينة الأمير فيصل بن فهد الرياضية

يعتمد بناء الملعب على استخدام مواد محلية، مع تركيب مجموعة كبيرة من الألواح الشمسية على سطح الاستاد، الذي تحيط به مساحات خضراء متعددة الاستخدامات ومفيدة لتنمية المجتمع المحلي. 

وفيما يتعلق بالهوية البصرية؛ تعكس تصاميم ملعب المربَّع الجديد وملعب مدينة الملك عبد الله الاقتصادية الاهتمام بالبيئة والتوعية بعناصر الطبيعة المحلية؛ حيث يتميز ملعب المربَّع بتصميم يمزج بين العناصر المحلية المستوحاة من شجرة الطلح، أحد المعالم الطبيعية الرئيسية في المملكة.

أما ملعب مدينة الملك عبد الله الاقتصادية الواقع على ساحل البحر الأحمر، يتميز بتصميم مُستوحى من الشعاب المرجانية لإضفاء لمسة جمالية مستلهمة من البيئة المحيطة.

3- قطاع النقل في المدن المضيفة لكأس العالم 2034

عرض المملكة مستوحى من رؤيتها الوطنية 2030، والتي تتضمن برنامج تنمية شامل ومستدام لتعزيز البنية التحتية للنقل ، مع التخطيط لتمديد خط السكك الحديدية عالي السرعة بين الخبر والرياض إلى جدة، ما يقلل اعتماد قطاع الطيران وبالتالي الانبعاثات، المسئول الأول عن تغير المناخ

ويقدم ملف الاستضافة استراتيجية نقل متكاملة مُطورة  لضمان حصول الجميع على تجربة استثنائية خلال البطولة؛ وقد بدأت خطة تطوير كبيرة في شبكة النقل العام في المدن المضيفة، لمعالجة الاعتماد على المركبات الشخصية بهدف خفض التلوث والازدحام.

تدابير مستدامة للنقل 

وتشمل هذه التدابير اعتماد نظام المترو وشبكة حافلات شاملة، مع إضافة نقاط نقل مكوكية عبر المدن، تربط بين أماكن مهرجانات مشجعي المونديال المقترحة والملاعب وأماكن الإقامة.

وتمثل المدن الـ5 المضيفة خياراً ستراتيجياً، حيث توفر شبكة النقل في هذه المدن مجموعة واسعة من وسائل النقل العام، مع تقديم أفضل تجربة نقل مستدام للجماهير.

وتعتمد المملكة في استضافة المونديال نهجاً رائداً ومبتكراً للنقل، عبر إضافة شبكة حافلات تعمل بالطاقة الخضراء والكهربائية مع خطوط السكك الحديدية لدعم النقل العام بشكل كبير وتقليل الازدحام.

بجانب التخطيط لإنشاء ممرات للمشاة ومسارات للدراجات؛ لتشجيع تأجير الدراجات الهوائية والكهربائية حول الملاعب، ما يقدم وسيلة صحية ومستدامة للنقل؛ تتلاءم مع الحدث الرياضي الأكبر بالعالم .

4- إدارة الطاقة 

يقدم الملف السعودي تدابير تتعلق بتقليل استهلاك الطاقة وتركز على مصادر الطاقة الموفرة والطاقة المتجددة، ومن المتوقع تصميم وبناء العديد من الملاعب باستخدام تقنيات الطاقة المستدامة.

على سبيل المثال، سيتم تشغيل ملعب "نيوم" بالكامل بالطاقة المتجددة، التي يتم توليدها من مصادر الرياح والطاقة الشمسية، ويعد مشروع نيوم الضخم جزءاً من الخطة الوطنية لتوفير الطاقة المتجددة بنسبة كبيرة، ما يساعد على تحول المملكة إلى مصادر الطاقة الخضراء في أقصر وقت.

مستقبل مستدام ومسؤول لرياضة كرة القدم 

يعكس شعار الملف السعودي "معاً ننمو" مسيرة التحول والنمو التي تعيشها المملكة، بوصفها واحدة من أسرع قصص النمو والتطور في عالم كرة القدم، وطموحها لتصبح من بين دول النخبة في عالم الساحرة المستديرة، ما يسهم في إحداث نقلة نوعية في كرة القدم على المستويين الإقليمي والعالمي.

وفي عصر المناخ، لا يمكن أن يتحقق ذلك الطموح بمنأى عن الاستدامة البيئية، لذلك كانت الاخيرة أحد الركائز الأساسية للملف السعودي، بهدف صناعة مستقبل بيئي مسؤول مع بناء إرث كروي مستدام يلهم الأجيال القادمة.

وبالطبع، يتوج كل هذا الطموح بضمان إحداث تأثير إيجابي وتنموي ينعكس على المجتمع المحلي، ويحتفي بشغف الجمهور السعودي والعربي بسحر المستطيل الأخضر، الذي ستتناقله شاشات العالم عبر احتفالات مونديال 2034 على أرض المملكة في قلب الجزيرة العربية.