مع ارتفاع عدد السياح في العالم، تزداد الآثار البيئية السلبية للسياحة المفرطة؛ من استنزاف الموارد الطبيعية، وارتفاع مستويات البحر والتلوث، وبات القطاع السياحي مسؤولاً عن نحو 5% من الانبعاثات العالمية، ولذلك يتعاظم مؤخراً الاهتمام بمفهوم السياحة المستدامة وترسيخ مبادئها على مستوى العالم كنوع من المواجهة الإيجابية والحفاظ على البيئة.
وتعتمد السياحة المستدامة على 3 أضلاع أساسية؛ هي احترام الطبيعة، ودعم ثقافة المجتمع المحلي من جهة، مع تقديم تجربة ممتعة وهادفة للسائح من جهة أخرى.
الوجهات الريفية من أجل التنمية المستدامة
وفي هذا السياق، تعلن الأمم المتحدة للسياحة سنوياً عن مبادرة أفضل القرى السياحية بالعالم لتعزيز دور السياحة المستدامة في المناطق الريفية، وأهمية الحفاظ على المناظر الطبيعية، والتنوع الثقافي، والقيم المحلية، وتقاليد الطعام.
وتضمنت قائمة أفضل القرى السياحية هذا العام 55 قرية من جميع أنحاء العالم، من ضمنها 3 بلدات عربية؛ قريتي أبو غصون وغرب سهيل في مصر، وقلاع أبو نقطة في قرية طبب التاريخية في المملكة السعودية العربية.
وبحسب الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة استطاعت هذه القرى أن تتحول إلى وجهات سياحية ريفية متميزة تتمتع بأصول ثقافية وطبيعية فريدة، مع الحفاظ على القيم المحلية وتحقيق معايير الابتكار والاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
قلاع أبو نقطة
تقع في بلدة طبب التاريخية، وهي عاصمة منطقة عسير في جنوب غرب المملكة، وتقف بمثابة شهادة فريدة على صون التراث والممارسات البيئية، حيث تشتهر المدينة التاريخية بالتزام المجتمع المحلي بنهج مبتكر ومستدام في المعمار والزراعة، يحافظ على تاريخ وتقاليد المنطقة، في إشارة إلى ماضيهم الغني مع التركيز على تحقيق مستقبل أكثر خضرة.
الحفاظ على التراث بأسلوب المستدام
يحافظ السكان المحليين على الآثار والعمارة دون الإضرار بالطبيعة، حيث يستخدمون المواد المُعاد تدويرها بعناية لترميم قلاعهم وحصونهم، بدلاً من قطع الأشجار واستخدام الأخشاب، ما يخلق نموذجاُ للتجديد المستدام الذي تم اعتماده في جميع أنحاء منطقة عسير.
تتميز القرية السعودية أيضاُ بالممارسات الزراعية التقليدية المستدامة؛ عبر اعتماد تقنية مبتكرة لتخزين البذور داخل الهياكل الصخرية على أعماق متفاوتة، تُعرف هذه الطريقة باسم "المدافن"، تعمل هذه التقنية، التي يعود استخدامها إلى قرون بعيدة، على توفير مساحات تخزين طبيعية وباردة لحماية البذور وضمان بقائها طازجة وجاهزة للزراعة في المواسم التالية.
قرية غرب سهيل
تقع قرية غرب سهيل النوبية على ضفاف نهر النيل بالقرب من أسوان، جنوب مصر، وتدعو السياح للدخول إلى عالم النوبة القديمة، كجزء من الحضارة المصرية الساحرة.
السياحة البيئية
تشارك القرية في مبادرات سياحية تعمل على تعزيز دور السياحة البيئية في المواقع الطبيعية والمحمية في مصر، مع الاهتمام بالتنوع البيولوجي وزيادة الوعي بالاستدامة وحماية البيئة.
كما تهتم القرية بالحفاظ على التراث الثقافي النوبي من خلال الممارسات المستدامة، ودعم مشاركة المجتمع المحلي في مشاريع الاقتصاد الأخضر وتعزيز سبل العيش البيئية، وبجانب السياحة الثقافية والتاريخية، إذ تقدم قرية غرب سهيل مغامرات الصحراء والسياحة العلاجية.
قرية غرب سهيل استطاعت أن توظف إمكاناتها من العمارة النوبية والمنازل الملونة المميزة إلى الموسيقى النابضة بالحياة والاحتفالات التقليدية مثل الأعراس المحلية، وحولت كل هذه الأصول التراثية الفريدة إلى تجارب متنوعة لزوارها حتى باتت وجهة سياحية مستدامة تحتفي بتراثها مع احتضان الحداثة.
قرية أبو غصون
تقع قرية أبو غصون في محمية وادي الجمال الخلابة، وهي أقدم قرية في منطقة مرسى علم، بالطرف الجنوبي من ساحل البحر الأحمر المصري، وتشتهر بتضاريسها الجبلية الوعرة والنباتات الطبية والحياة البرية الغنية والينابيع الطبيعية، وتأسر روادها بمغامرات السفاري وتسلق القمم وأماكن الغوص الصافية.
تمكين المجتمع المحلي من خلال الاقتصاد الأخضر
هذه القرية النابضة بالحياة تقدم نموذجاً للتنمية المحلية، بدعم السياحة المستدامة والمبادرات المبتكرة التي تحتفي بالتراث الطبيعي والثقافي للمنطقة، من خلال المشاريع الصغيرة، والتدريب على الحرف اليدوية، والتنمية الاجتماعية، ما يؤدي إلى تحسين نوعية الحياة ورفع مستوى المعيشة للسكان.
وتعمل المبادرات المستدامة التي يقودها المجتمع المحلي على إقامة أسواق محلية فنية، حيث يعرض حرفيو أبو غصون فنونهم التقليدية للسياح بهدف الحفاظ على الإرث الحرفي للمنطقة، وتقديم المواهب المحلية بالأسواق العالمية، وتوفير دخلاً حيوياً للسكان.