تشهد فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والذي ترأسه المملكة السعودية العربية في دورته السادسة عشرة، الكثير من النقاشات والجلسات حول صحة الأرض الضرورية لضمان السلام والاستقرار، لأن تأمين أرض صحية ومنتجة يجلب الرخاء والتنمية.
يدفع النمو السكاني إلى زيادة الطلب على الموارد الطبيعية، حيث من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم -بحلول 2050- إلى 10 مليارات شخص يعتمدون على الأراضي السليمة لتحقيق سبل العيش، لذلك تتجاوز أزمة تدهور الأراضي التأثيرات البيئية والاقتصادية؛ فهي تغذي الهجرة القسرية والصراع على الموارد المتناقصة؛ وخاصةً داخل المجتمعات التي تعاني من تدهور الأراضي والجفاف بشكل كبير كما في القارة الإفريقية.
وبرز على أجندة الندوات والجلسات الحوارية لـ"كوب 16" إقامة "مائدة مستديرة للشركاء رفيعي المستوى حول مبادرة غابة السلام"، والذي شاركت به كوكبة من ممثلي البلدان والمنظمات الشريكة والجهات الفاعلة غير الحكومية والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
مصدر الصورة: COP 16
مبادرة غابة السلام
تعد مبادرة غابة السلام من برامج اتفاقية الأمم المتحدة الرائدة في مكافحة التصحر، لإظهار الروابط الحاسمة بين الأرض والسلام والأمن، حيث تهدف إلى مساعدة البلدان المتضررة من الهشاشة أو الصراع على التعاون مع جيرانها لإعادة تأهيل واستعادة الأراضي المتدهورة والتربة والمياه والغابات.
بجانب توحيد المجتمعات عبر الحدود لإدارة الموارد الطبيعية باعتبارها أصولاً مشتركة، ما يعمل على بناء "السلام البيئي"، تشمل المبادرة دول القرن الإفريقي، ومنها جيبوتي والصومال والسودان لمعالجة التحديات الإقليمية القائمة على الإدارة البيئية وبناء السلام.
أزمة القرن الإفريقي
يُهدد تدهور الأراضي في منطقة القرن الإفريقي، المُصنف 70% من مساحتها على أنها قاحلة أو شبه قاحلة، سبل عيش الملايين، حيث يقلل الإنتاجية الزراعية ويفاقم انعدام الأمن الغذائي، خاصةً مع أشد موجة جفاف منذ أربعة عقود.
أثر الجفاف على أكثر من 36.5 مليون شخص، ويعاني أكثر من 20 مليوناً من انعدام الأمن الغذائي الحاد، إذ تعاني مجتمعات القرن الإفريقي من فقر وصراع ونزوح جماعي وتدهور بيئي وتغيرات مناخية حادة وانخفاض الإنتاج الزراعي، وقد ينزح -وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة- نحو 60 مليون إفريقي خلال العقد المقبل بسبب تدهور الأراضي.
محادثات حول مبادرة "غابة السلام" في قمة الرياض
تهدف إقامة مائدة مستديرة حول مبادرة غابة السلام في "كوب 16" إلى خلق منصة تواصل عالمية للمبادرة، من أجل تعزيز الحوار والتعاون بشأن العلاقة بين إدارة الأراضي والنظم الإيكولوجية والسلام والأمن، مع دعم مهمة المبادرة الأممية.
قدمت المائدة المستديرة للحاضرين مجموعة من الرؤى حول الأطر والأدوات المتاحة لدعم بناء السلام والتكيف من خلال الإدارة المستدامة للأراضي واستعادة النظام البيئي، مع عرض نتائج عمل مبادرة غابة السلام في القرن الإفريقي، والتي تحولت إلى منصة حاسمة للحوار وبناء الشراكات بين بلدان المنطقة، وتعزيز التعاون الإقليمي لمعالجة التحديات المشتركة، مثل تنسيق سياسات إدارة الموارد عبر الحدود.
مصدر الصورة: UNCCD
يدفع تغير المناخ إلى اشتعال الصراعات على الموارد الطبيعية، لذلك تهدف المبادرة إلى مساعدة بلدان منطقة القرن الإفريقي على دمج إدارة البيئة والموارد في ممارسات حل النزاعات، ومساعدة المجتمعات المحلية على تأمين سبل العيش ومعالجة القضايا العابرة للحدود مثل تدهور الأراضي وندرة المياه.
وأشار المشاركون في المبادرة إلى أن استعادة الأراضي والغابات تلعب دوراً هاماً في دعم التنمية الاقتصادية، وتحسين سبل عيش الأسر الريفية، والحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز القدرة على مواجهة تداعيات تغير المناخ، مع الإعلان عن إصدار تقرير عن العلاقة بين الأرض والسلام والأمن خلال فعاليات المؤتمر.
يستهدف "كوب الرياض" تبادل المعرفة والخبرات بين مجموعة واسعة من صناع السياسات والخبراء القادمين من خلفيات ومواقع جغرافية متنوعة، مع تقديم أمثلة ملموسة للإجراءات الرامية إلى معالجة المخاوف المناخية والبيئية خاصةً داخل المناطق الهشة مثل التعاون عبر بلدان القرن الإفريقي.
ويساهم مؤتمر الأطراف الـ16 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في الكشف عن دور الإدارة المستدامة للأراضي في الحد من الصراعات وبناء القدرة على الصمود، حيث يدمج مفهوم بناء "السلام البيئي" بين إدارة الموارد الطبيعية مع حل النزاعات لتعزيز التماسك الاجتماعي واستعادة الأراضي المتدهورة ودعم سبل العيش المرنة، لأن من المؤكد أن صناعة السلام مع الطبيعة يعني الاستقرار والتنمية المستدامة.