"الحياة تحت الماء".. كيف تعزز جائزة الأمير طلال الدولية الاقتصاد الأزرق المستدام؟


سلمى عرفة
الاثنين 18 نوفمبر 2024 | 01:41 مساءً

"دون إدارة رشيدة للموارد المائية لا وجود للتنمية المستدامة" تلك العبارة التي قالها صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" تعبر عن إحدى أهم الركائز الذي استند إليها البرنامج في مشروعاته المختلفة، منذ تأسيسه في مطلع ثمانينات القرن الماضي، والتي شهدتها مناطق مختلفة من العالم.

وتأتي المحيطات والبحار التي تغطي ما يتجاوز الـ 70% من سطح الأرض على رأس الموارد المائية التي لابد من العمل على حمايتها، فكل خلل يحدث في العالم الساحر الذي تدور أحداثه تحت مياه تلك المسطحات الضخمة، يؤثر على استقرار الأرض، واستقرار البشر الذين يسكنون اليابسة.

حماية البيئة البحرية.. هدف النسخة الجديدة

"الحياة تحت الماء" -الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة- هي موضوع النسخة الجديدة من جائزة الأمير طلال الدولية للتنمية البشرية، التي يقدمها برنامج الخليج العربي للتنمية سنوياً، بقيمة إجمالية تبلغ مليون دولار أمريكي.

وانطلقت النسخة الأولى من الجائزة للمرة الأولى، في عام 1999، باسم "جائزة أجفند الدولية لمشاريع التنمية البشرية الريادية"، لتغطي على مدى ربع قرن، جوانب مختلفة من أهداف التنمية المستدامة.

الجائزة التي ينتهي موعد التقدم إلى نسختها الجديدة في 15 يناير عام 2025، تهدف إلى دعم المشروعات المختلفة التي تعمل على المحافظة على المحيطات، والبحار، والموارد البحرية، واستخدامها بشكل مستدام.

تنقسم الفئات التي يمكنها خوض السباق إلى المشروعات التابعة لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الأهلية الدولية والإقليمية، ثم الجمعيات الأهلية الوطنية، وتشمل الفئة الثالثة مشروعات الجهات الحكومية ومؤسسات الأعمال الاجتماعية ومؤسسات القطاع الخاص الموجهة لدعم القطاع الاجتماعي، بينما تخصص الفئة الرابعة للمشروعات التي بادر بفكرتها، مولها و/ أو نفذها أفراد.

دعم مستمر للفئات الأكثر هشاشة

إعلان موضوع الجائزة جاء تتويجاً لمساهمة "أجفند" في دعم جهود الصيد المستدام، وصغار الصيادين العاملين في المجال.

أحد هؤلاء الصيادين كان عباس الكوفي، الشاب الذي تمكن، بدعم من بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في مملكة البحرين- من صيانة قاربه الذي يعتمد عليه في صيد الأسماك وبيعها.

وانطلق بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في عام 2011، وهو واحد ضمن 9 بنوك للتمويل، يسعى من خلالها البرنامج إلى دعم الفئات الأكثر هشاشة في مناطق مختلفة من العالم، بخلاف البنوك التي لازالت قيد التأسيس.

"الكوفي" هو واحد بين أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم يعتمدون على البيئة البحرية للحصول على مصدر دخل، إذ توفر مصايد الأسماك نحو 60 مليون فرصة عمل، كما توفر مصدراً للبروتين لما يزيد عن 50% من سكان البلدان الأقل نمواً، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.

المحيطات والمناخ.. معركة أساسية لإنقاذ الكوكب

وتعد المحيطات أحد الجنود الهامة في معركة البشر ضد التغير المناخي الذي يهدد الكوكب، فهي قادرة على امتصاص 25% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما أنها مسؤولة عن إنتاج 50% من الأكسجين الموجود على كوكبنا، والذي يأتي غالبيته من الكائنات التي يمكنها القيام بعملية البناء الضوئي.

ويتزامن اختيار موضوع الجائزة مع تصاعد الأخطار التي تهدد الموارد البحرية، وتصاعد كذلك حجم الفرص التي يمكن من خلالها تعزيز الاقتصاد الأزرق المستدام.

الحياة البحرية.. أخطار متصاعدة

صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، لفت من قبل إلى ما وصلت إليه البيئة البحرية من "استنفاد 90٪ من التجمعات السمكية الكبيرة، وتدمير 50٪ من الشعاب المرجانية"، قائلاً: "للاستمرار في الاستفادة منها نحتاج للعمل على تحقيق توازن يساعدها على استعادة حيويتها وتجديد معايش الكائنات فيها".

وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" في عام 2024، إلى أن ما يزيد عن 37% من التجمعات السمكية التي تراقبها المنظمة، والتي تتخطى 500 تجمع، إلى الصيد الجائر، في الوقت الذي تضاعف عدد التجمعات التي تتعرض للصيد الجائر بفارق 3 أضعاف، مقارنة بمطلع سبعينيات القرن الماضي.

العالم العربي الذي يتمتع بسواحل طويلة تصل إلى 20 ألف كيلومتراً تقريباً يعاني كذلك من ارتفاع معدلات التلوث البلاستيكي في مياهه البحرية.

يقول البنك الدولي إن متوسط النفايات البلاستيكية التي يتسبب كل فرد من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وصولها إلى المحيط سنوياً تقدر بما يزيد عن 6 كيلوجرامات، وتتصدر المنطقة قائمة بلدان العالم في حجم استهلاك البلاستيك مقارنة بعدد أفرادها.

ويهدد التلوث البلاستيكي الكائنات البحرية التي تتعثر بتلك المواد، أو تبتلعها ظناً منها أنها غذاء مناسب لها، لينتهي الأمر بنفوقها، أو تنتقل الجزيئات البلاستيكية إلى الأسماك التي نتغذى عليها، ويقدر عدد الكائنات التي تتضرر بفعل التلوث البلاستيكي بمئات الآلاف سنوياً.

الشعاب المرجانية لم تنج كذلك من آثار هذا النوع من التلوث، فالشعاب الموجودة في المناطق الملوثة بالبلاستيك هي الأكثر عرضة للإصابة بأمراض مختلفة، أو إصابة أنسجتها بالقطع.

فرص واعدة للنجاة بالأرقام

لكن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، إذ يقدر الخبراء أن الحد من مصادر التلوث، والسماح للموارد البحرية الطبيعية بالتجدد، لا يضمن استمراريتها فحسب بل ازدهارها.

وفقاً لإحصائيات معهد الموارد العالمية، يمكن للمحيطات أن تنتج بشكل مستدام غذاء يفوق ما تنتجه اليوم بفارق 6 أضعاف، كما يمكن لاقتصاد المحيطات المستدام أن يخلق ما يزيد عن 10 ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030.

وتأتي جائزة الأمير طلال الدولية كمبادرة نوعية تسهم في تعزيز الاقتصاد الأزرق المستدام ودعم الحفاظ على الموارد البحرية عبر دعم المشروعات التي تهدف إلى حماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي، وفي ظل التحديات البيئية المتصاعدة، تلعب الجائزة دوراً جوهرياً في التوعية وتوجيه الجهود نحو الاستدامة وحماية البيئة البحرية، حيث أن استدامة المحيطات والبحار ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي جهد جماعي يستوجب تكاتف المؤسسات والمجتمعات على حد سواء لضمان بيئة بحرية متجددة وحياة مستدامة للأجيال القادمة.