قبل شهر واحد فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اجتاح إعصاران مدمران سواحل الولايات المتحدة، ورغم ارتباط الانتخابات بموسم الأعاصير منذ عقود، لكن يبدو أن كوكب الأرض قرر أن يبعث رسالة قوية ومباشرة للناخبين الأمريكيين قبل انتخابات 2024 ، لتذكيرهم بأهمية قضية المناخ، والتي لا تبرز كقضية انتخابية إلا نادراً.
في الغالب تتراجع أزمة المناخ أمام قضايا الاقتصاد والصحة والهجرة على أجندة الراغبين في الوصول للمكتب البيضاوي، رغم أن الأزمة المناخية هي في الحقيقة محرك رئيسي لكثير من هذه الملفات التي تشغل بال الأمريكيين والعالم أجمع.
وتمثلت هذه الرسالة أو بالأحرى التحذير شديد اللهجة في إعصار "ميلتون" ثالث أقوى إعصار في تاريخ الولايات المتحدة، ومن قبله إعصار "هيلين" الذي يعد أخطر كارثة طبيعية تضرب البلاد على مدى عقدين من الزمان؛ وربما لم يكن غريباً أن تأتي إنذارات الطبيعة بهذه القوة، التي توازي سخونة الانتخابات الوشيكة.
"انتخابات ساخنة" في زمن الغليان الحراري
مباراة انتخابية تجمع بين دونالد ترامب، الذي يعد فوزه سابقة تاريخية أمريكية لم تحدث منذ نهاية القرن 19؛ أن يغادر الرئيس البيت الأبيض ثم يعود له مرة ثانية بعد أربعة أعوام، ليصبح ترامب الرئيس الخامس والأربعين والرئيس السابع والأربعين في تاريخ الجمهورية الأمريكية، أو تفوز كامالا هاريس، وتحقق هي أيضاً سابقة تاريخية كأول سيدة وأول أمريكية من أصول سوداء وآسيوية تحكم البيت الأبيض.
وبعيداً عن السوابق التاريخية، تمثل الانتخابات الأمريكية حدثاً مهماً يترقبه العالم، فلا أحد يستطيع أن ينكر نفوذ الولايات المتحدة وقوتها الاقتصادية والعسكرية، ودورها الرئيسي في أغلب القضايا، ليس فقط السياسية، لكن أيضاً البيئية، فبعد انتشار وباء كوفيد، بدأت قضية المناخ تتراجع إلى الخلف في مقابل ملفات الصحة والاقتصاد، رغم أنها كانت تحقق خطوات جيدة قبل 2020، ولذلك تحتاج البشرية حالياً إلى أجندة مناخية مؤثرة تستطيع أن تصحح كفة الميزان المائلة، وخاصة بعد تصريح الأمين العام للأمم المتحدة إننا نعيش في عصر "الغليان الحراري".
فما هو موقف مرشحي الرئاسة الأمريكية من أزمة المناخ؟ وما هو مردود هذا الموقف على القضية بشكل عام؟
لفهم موقف كل مرشح سوف تستعرض "جرين بالعربي" في البداية رأي كلا منهما حول أزمة المناخ عبر نقل تصريحاتهما وخطاباتهما السياسية.
كامالا هاريس
وصفت "هاريس"، خلال جلسة قادة مؤتمر المناخ COP 28 في دبي، أزمة تغير المناخ بأنها "تهديد وجودي"، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى التحرك بشكل عاجل لمعالجتها، باعتبارها إحدى أكثر القضايا إلحاحاً في عصرنا الحالي، حيث تعاني المجتمعات من الجفاف والفيضانات والأعاصير التي وتهدد حياة وسبل عيش الملايين من البشر، وفقاً لخطاب نائبة الرئيس المنشور على موقع البيت الأبيض "whitehouse.gov".
وفيما يتعلق بدور تغير المناخ في تفاقم الكوارث المتطرفة، ذكرت نائبة الرئيس كامالا هاريس، في كلمة ألقتها حول المرونة المناخية في ولاية فلوريدا، أن الولايات المتحدة يجب أن تتخذ إجراءات لمكافحة تغير المناخ في مواجهة كل الأحداث المتطرفة، وبصفتها نائبة للرئيس، أعلنت عام 2022 عن منح تزيد عن مليار دولار للولايات المتضررة لمعالجة آثار الفيضانات والحرارة الشديدة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ.
وقالت هاريس: "لقد تسارعت وتيرة تغير المناخ في فترة زمنية قصيرة نسبياً والطقس المتطرف سوف يزداد سوءاً، مع تسارع أزمة المناخ".
دونالد ترامب
ظل "ترامب" يشكك لسنوات في علم المناخ، وذكر لهيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست عام 2016 إنه "لا يؤمن بشكل كبير في قضية تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري".
لكنه تراجع في مناظرة رئاسية بانتخابات 2020، وأقر بأن البشر يتحملون بعض اللوم عن تغير المناخ، ويعتقد ترامب أن النشاط البشري هو مجرد سبب واحد لتغير المناخ، وليس بالضرورة العامل المهيمن، حسب وكالة "أسوشيتد برس".
ولكنه عاد لإثارة الجدل مرة أخرى عام 2022، في مقابلة تلفزيونية على قناة "فوكس نيوز"، إذ وصف تغير المناخ بأنه "خدعة".
وقال مرشح الحزب الجمهوري: "إذا نظرنا إلى سنوات العشرينيات من القرن الماضي، كانوا يتحدثون على تجمد العالم، ثم باتوا يناقشون الاحتباس الحراري العالمي، لماذا الآن فقط يتحدثون عن تغير المناخ، المناخ كان يتغير دائماً".
وفي أغسطس الماضي، تحدث ترامب، وملياردير التكنولوجيا الأمريكي إيلون ماسك، عن المناخ خلال محادثاتهما على موقع "إكس"، وقال المرشح الجمهوري عن الوقود الأحفوري: "لا يمكن أن نتخلى عنه في هذه اللحظة، أعتقد أن أمامنا مئات السنين، لا أحد يعرف على وجه اليقين".
وفيما يتعلق بارتفاع مستويات سطح البحر الناجم عن ذوبان الجليد، اعتبره ترامب فرصة تؤدي إلى خلق "مزيد من العقارات والممتلكات المطلة على المحيط".
وفيما يتعلق بالطقس المتطرف، رفض ترامب الاعتراف بتأثيرات تغير المناخ التي ينتج عنها عدد من الكوارث منها حرائق الغابات، وألقى ترامب باللوم على سوء إدارة الغابات التي تسبب الحرائق الأكثر تدميراً وفتكاًً، حسب صحيفة واشنطن بوست.
سياسات المناخ
بعيدا عن الآراء، ما هي السياسات البيئية لكل مرشح رئاسي وخطة حملته المزمع إجراؤها في حال فاز بالانتخابات؟
المرشحة الديمقراطية
لم تعلن هاريس عن السياسة المناخية الخاصة بها بشكل واضح، رغم اعترافها بالمخاطر التي يفرضها الاحتباس الحراري العالمي، لكنها تتجنب إلى حد كبير التطرق إلى موضوع المناخ خلال التجمعات الانتخابية والمقابلات.
ويُرجع حلفاء هاريس غياب قضية المناخ عن حملتها، إلى محدودية الوقت والحاجة إلى الحديث عن موضوعات تجعلها تفوز في الانتخابات، ويرون أن سجلها المهني الداعم لقضية العدالة المناخية أثناء توليها منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا وملاحقتها لشركات النفط الكبرى، يؤكد أنها سوف تدفع نحو اتخاذ إجراءات مناخية صارمة إذا فازت.
وقال جاي إنسلي، حاكم ولاية واشنطن الديمقراطي والمدافع البارز عن المناخ: "أنا على ثقة من أن هاريس سوف تكون قائدة فعالة في مجال الطاقة النظيفة بمجرد دخولها إلى البيت الأبيض".
الخطوط العريضة المتوقعة لسياسات هاريس المناخية
بصفتها نائبة للرئيس الأمريكي، فهي تتبنى إلى حد كبير أجندة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن المناخية، ويتوقع المحللون أن تسير هاريس على نفس المسار وتبني على الإنجازات المناخية التي حققتها مع إدارة بايدن، وقد استعرضت هاريس في خطابها المنشور على موقع البيت الأبيض "whitehouse.gov" هذه السياسات المناخية:
العمل على استثمار ما يقرب من تريليون دولار للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، ودعم التكيف، وبناء اقتصاد الطاقة النظيفة، وهو ما تعتبره هاريس أكبر استثمار مناخي ليس فقط في تاريخ أمريكا بل في تاريخ العالم.
وفي مجال الطاقة المتجددة،استطاعت الولايات المتحدة الانضمام إلى أكثر من 115 دولة في الالتزام بمضاعفة كفاءة الطاقة ومضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030.
وعلى الصعيد الدولي، تعاونت هاريس مع زعماء منطقة البحر الكاريبي، لإطلاق مبادرة جديدة لبناء القدرة على التكيف مع المناخ والطاقة المتجددة داخل الدول الجزرية، باعتبارها الأكثر تعرضا لتداعيات التغير المناخي.
أما أهم الإنجازات المناخية لإدارة بايدن ونائبته هاريس، هو مشروع قانون المناخ التاريخي، أو قانون خفض التضخم، حيث سعت هاريس وبايدن إلى وضع الولايات المتحدة على مسار الحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 40% بحلول عام 2030 ، عبر ضخ حوالي 370 مليار دولار لدعم الانتقال العادل للطاقة باتجاه الطاقة المستدامة.
وبصفتها نائبة للرئيس وعضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي ، كانت هاريس الصوت الحاسم لتمرير هذا القانون، الذي يعد أكبر عملية ضخ للأموال الحكومية الأمريكية في مبادرات المناخ والطاقة النظيفة.
وقبل أن تتولى هاريس منصب نائب الرئيس كانت مرشحة رئاسية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2020، ثم سحبت ترشحها وباتت نائبه بايدن، ولكن أثناء حملتها الرئاسية عام 2019، أصدرت هاريس خطة مناخية بقيمة 10 تريليون دولار تدعو إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومحاسبة الملوثين، ومساعدة المجتمعات المتضررة من تغير المناخ وحماية الموارد الطبيعية،ودعت إلى المزج بين العمل الحكومي وقوى السوق لمكافحة الاحتباس الحراري العالمي، وقالت: "يمكن أن تلعب رسوم تلوث المناخ دورًا مهمًا كواحدة من سياسات مكافحة الانبعاثات.
المرشح الجمهوري
في الحقيقة، عند الحديث عن سياسات ترامب المناخية لن تجد مكاناً للتفاؤل ليس فقط بسبب تصريحاته، لكن نتيجة قراراته التي اتخذها خلال فترة رئاسته السابقة، حيث استهدف ترامب بقوة السياسات المناخية وألغى بالفعل أكثر من 125 لائحة بيئية، تهدف إلى حماية النظم البيئية وخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
كما فاجأ العالم بإعلانه انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ ، وباتت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تنسحب رسميا من الاتفاقية الاممية، التي تعد اتفاق عالمي رائد يهدف إلى مواصلة الجهود العالمية للحد من الانبعاثات والتغير المناخي، ثم عادت امريكا رسميا مرة اخرى إلى اتفاق باريس للمناخ، بعد انتخاب جو بايدن.
أما فيما يخص الطبيعة، يملك الرئيس السابق سجل بيئي "مزعج"، حيث هاجمت إدارة ترامب الطبيعة مرارا وتكرارا أثناء فترة حكمه مثل محاولة بيع محمية الحياة البرية في القطب الشمالي ، التي توفر موطنا للدببة القطبية والرنة والطيور المهاجرة، وقد حاولت إدارة ترامب طرح عقود إيجار الوقود الأحفوري في محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي للبيع بالمزاد بسعر 25 دولارا للفدان ، لكنها فشلت في جذب عروض من شركات النفط الكبرى"، وفقا لموقع "One Green Planet"
كما شطبت إدارة ترامب الذئاب الرمادية من قائمة الأنواع المهددة بالانقراض، مما يهدد النظم البيئية بالانهيار وسمح لجميع الولايات بمعاملة الذئاب كحيوانات مفترسة وقتلها أو حمايتها وفقًا لقوانينها الخاصة،والنتيجة قُتل 570 ذئبًا في ولاية أيداهو خلال عام واحد فقط .
ما هو السيناريو المناخي المتوقع إذا فاز ترامب بولاية ثانية؟
مع عودته إلى المشهد السياسي وإعلانه الترشح وعد "ترامب" بخفض القيود البيئية على شركات النفط والغاز مقابل التبرعات للحملة الانتخابية.
وأكثر ما يثير الجدل والقلق في فوز ترامب، هو تطبيق "مشروع 2025"؛ وهو عبارة عن خارطة طريق للرئيس الجمهوري المقبل تتسم بخصائص يمينية محافظة، وتتركز توصيات هذا المشروع، الذي ساهم في وضعه أعضاء من إدارة ترامب السابقة، على توسيع سلطات الرئيس مع إعادة هيكلة العديد من الوكالات الفيدرالية لتنفيذ أجندة الجمهوريين.
وفي إطار هذا المشروع يتوقع موقع "One Green Planet" أن يجري استبدال الموظفين الفدراليين بآخرين موالين لترامب، لإضعاف وكالة حماية البيئة الأمريكية "USEPA"، المكلفة بحماية صحة الإنسان والبيئة، بهدف إلغاء لوائح التلوث، والحد من سلطة وكالة حماية البيئة، وتفكيك الهياكل التي أنشئت على مدى عقود لمكافحة تغير المناخ.
أما صحيفة الجارديان البريطانية، فقد نشرت تقريرا تحت عنوان كيف ستكون رئاسة ترامب كارثية على قضية المناخ؟ وفندت فيه آراء الخبراء الذين توقعوا أن ولاية ترامب الثانية من شأنها أن تعيد قضية إنكار تغير المناخ إلى الواجهة مع التحذير من مستقبل خطير بسبب "تأثير ترامب" الذي سوف يتسبب في إضافة مليارات من الأطنان من الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي.
وبحسب "التقرير"، سوف يكون الهدف الأساسي لإدارة ترامب الجديدة هو إيقاف مشروع قانون خفض التضخم، والذي يعتبره ترامب عملية احتيال خضراء أطلقتها هاريس مع بايدن.
أما أكبر المخاوف المناخية من انتصار ترامب هو خروج الولايات المتحدة مرة أخرى من اتفاقية باريس كما حدث في ولايته الأولى، مما قد يدفع دول أخرى أيضاً للانسحاب من اتفاقية مكافحة المناخ، الأمر الذي يتسبب في خروج الاحتباس الحراري العالمي عن السيطرة.