"هندسة خاصة" لتنظيم أمعاء الأبقار.. حل جديد يُقلل انبعاثات الميثان


مروة بدوي
الخميس 17 أكتوبر 2024 | 01:58 مساءً

رغم كونها عنصراً أساسياً في تقديم الغذاء للبشر، لكن الأبقار واحدة من أكثر المخلوقات استهلاكاً للموارد على كوكب الأرض، كما أنها مسؤولة عن نحو 4% من ظاهرة الاحتباس الحراري؛ كوّنها تطلق كميات هائلة من غاز الميثان، أحد غازات الدفيئة القوية وثاني أكبر مساهم في ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

استنزاف الأبقار للموارد دفع باحثين في جامعة "كاليفورنيا دافيس" الأمريكية، إلى استخدام الهندسة الوراثية لابتكار حل يقلل الأثر المناخي للأبقار، عبر التعديل الوراثي للميكروبات داخل معدة الأبقار، بهدف التخلص من تلك الانبعاثات الضارة، التي تطلقها أثناء التجشؤ.

في حال نجاحهم، سوف يتمكنون من القضاء على واحد من المصادر الرئيسية لغاز الميثان في العالم، مما يساعد في تغيير مسار ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة التغير المناخي، وفقا لصحيفة واشنطن بوست.

تجربة التعديل الجيني 

العجل "سوشي"، ذكر يافع من سلالة "هولشتاين" يبلغ من العمر أربعة أسابيع ووزنه 125 رطلاً يستلقي في حظيرة خاصة، حيث بدأت تجربة تستغرق عدة سنوات، وتبلغ تكلفتها نحو 30 مليون دولار، من قبل علماء جامعة كاليفورنيا دافيس ومعهد الجينوميات المبتكرة، لتغيير التركيب الداخلي لمعدة  "سوشي".

يوجد ما يقارب من 1.5 مليار بقرة في مختلف بقاع العالم، تتغذى على العشب والذرة والبرسيم، لكنها تستطيع العيش أيضاً على تناول فضلات المنتجات الثانوية مثل قشور اللوز وقشور الذرة وحتى نشارة الخشب، لأنها تمتلك أجهزة هضمية معقدة تشبه "المعجزة"، ولديها ما يساعدها على التعامل مع كل أنواع الغذاء. 

معدة البقرة مكونة من 4 غرف، وداخل أكبر غرفة معوية، والمعروفة باسم "الكرش"، يوجد ميكروبيوم غني، أو مجموعة من الميكروبات المتعايشة داخل الأمعاء، يقوم بتفكيك كل المواد الغذائية وتحويلها إلى طاقة قابلة للاستخدام.

ورغم قوة هذا النظام المعوي، فإن الكرش يمتلك جانباً مظلماً، لأنه يستضيف كائنات حية دقيقة تسمى العتائق، والتي تحلل الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وتُطلق غاز الميثان كمُنتَج ثانوي.

وبينما تتجشأ الأبقار الميثان في الغلاف الجوي لأنها غير قادرة على معالجة الغاز الدفئ، تنتج البقرة المتوسطة حوالي 220 رطلاً من الميثان سنوياً، أو حوالي نصف انبعاثات أي سيارة متوسطة الحجم.

عبر استخدام أدوات تعديل الجينات يسعى الباحثون إلى تغيير هذه الأجزاء الداخلية لمعدة البقرة لتقليل إنتاج الميثان، حيث تستهدف التجربة تعديل الميكروبيوم نفسه، مما يقدم حلاً يمكن تطبيقه على جميع أنواع الأبقار.

ويتصور العلماء صناعة نوعًا من حبوب البروبيوتيك، وهي مكملات غذائية تساعد في تكسير الطعام وعملية الهضم الصحي، تُعطى للأبقار عند الولادة، ويعمل هذا العلاج على تحول ميكروبيوم معدة البقرة بشكل دائم، مما يقلل إطلاق الميثان طوال دورة حياتها . 

حلول جزئية

مشروع التعديل الجيني قد يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك يعمل الباحثون على تطوير حلولاً جزئية منها إمكانية إضافة الأعشاب البحرية أو الزعتر أو الثوم إلى وجبات الأبقار، وهذه الطريقة قد تؤدى إلى خفض انبعاثات الميثان، بنسبة تصل إلى 80% في بعض الأحيان، وخلال المشروع البحثي تم تغذية العجل سوشي ببضعة جرامات من الزيت المقطر من الأعشاب البحرية، باعتبارها واحدة من أكثر الطرق المجربة لتقليل إنتاج الميثان في معدة البقرة.

 لكن تعميم هذا الحل يعد أمرا شبه مستحيلا من الناحية اللوجستية، لان معظم الماشية تتجول بحرية في المراعي، وتعيش على العشب والأعلاف، ولا يتم إطعامها يوميًا من قبل البشر حتى يمكن التحكم في نوع الغذاء، لذلك من المستحيل جعل مليارات من الماشية التي تتجول بحرية تأكل الأعشاب البحرية أو الثوم ضمن نظامها الغذائي

مع ثراء البلدان، يزيد إنتاج لحوم البقر، والذي ارتفع خلال السنوات الـ 15 الماضية، بنسبة 13 % على مستوى العالم، مما يزيد إطلاق غاز الميثان في الغلاف الجوي ويؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب ويساعد في تحفيز موجات الاحترار والفيضانات والعواصف القوية.

وإذا استطاع الباحثون تغيير ذلك النظام المعقد داخل معدة الأبقار، ستكون تجربة مبتكرة، حيث تطور "الميكروبيوم" على مدى ملايين السنين لمساعدة الحيوان على تحويل العلف إلى طاقة، لكن لا يزال البحث في مراحله المبكرة.