أزمة جديد تطفو على سطح بحر الكوارث الذي تعاني منه البشري، أشار إليها تقرير أممي يحذر من ارتفاع نسبة العقم بين البشر والتي ربما ترجع بشكل كبير لأسباب بيئية من شأنها تعطيل التناسل البشري.
أصدرت منظمة الصحة العالمية العام الماضي، تقرير جديد حول إصابة أعداد كبيرة من سكان العالم بالعقم، وأوضحت أن نحو 17.5% من البالغين يعانون من العقم، بما يمثل نحو شخص واحد من كل ستة أشخاص حول العالم.
العقم يصيب الذكور أو الإناث، لكن انتشاره بهذا المعدل تحول إلى أزمة، وبات العلماء يبحثون عن أسبابها، وهل تتوقف الأزمة على الأسباب الداخلية مثل العوامل الوراثية والصحية فقط أم هناك عوامل خارجية؟ وخاصة أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن في المناطق الحضرية ويتعرضون لنمط حياة صاخب وملوث قد يؤثر على الصحة الإنجابية.
وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة ملبورن ونشرها موقع The Conversation، أن التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء والضوضاء قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات العقم، لكن تأثير هذه العوامل يختلف عند الرجال والنساء بشكل مختلف.
تلوث الهواء
التلوث والضوضاء يحاصران البشر
من المعروف أن التلوث له آثاره السلبية التي لا يمكن إنكارها سواء على البيئة أو على صحة الإنسان؛ والتي ترتبط بالسرطان وأمراض القلب، وقد تنتقل هذه المواد الكيميائية المستنشقة عبر الهواء الملوث أيضاً إلى الجهاز التناسلي عبر الدم، مما قد يقلل من الخصوبة إما عن طريق التأثير في الهرمونات أو التسبب في ضرر مباشر للبويضات والحيوانات المنوية.
بينما تأثير الضوضاء على صحة الإنسان يبدو أقل وضوحاً، لكن بعض الأبحاث تشير إلى أن الضوضاء قد تؤثر على هرمونات التوتر وبالتالي على الخصوبة.
الضوضاء
5 سنوات من الدراسة
حللت الدراسة بيانات 378 الف امرأة و526 ألف رجل تتراوح أعمارهم بين 30 و 45 عاماً، ليس لديهم أطفال أو لديهم أقل من طفلين، وتم تتبع بياناتهم المسجلة في قواعد البيانات بالدنمارك على مدى 17 عاماً، منذ عام 2000 حتى عام 2017.
وقام الباحثون خلال 5 سنوات بفحص معلومات مفصلة عن المشاركين منها أماكن إقامتهم، وسجلهم الطبي وهل تلقوا تشخيصاً بالعقم، مع تقدير نسبة تعرضهم للضوضاء الناتجة عن المرور، وتلوث الهواء أو كمية الجسيمات الدقيقة "PM2.5" الموجودة في محيط مساكنهم، وهي جزيئات صغيرة جداً عالقة في الهواء تهدد صحة الإنسان، وتنتج عن عمليات احتراق الوقود والأنشطة الصناعية ووسائل النقل.
نتيجة الدراسة
وفقا للسجلات الطبية، جرى تشخيص حالة العقم لدى 16,172 رجلاً و22,672 امرأة من إجمالي المشاركين.
وعند ربط النتائج الطبية بتحليل البيانات، وجد الباحثون زيادة خطر العقم بنسبة 24% لدى الرجال، الذين يتعرضون لمستويات مرتفعة من الجسيمات الدقيقة" PM2.5" بالهواء، وتتجاوز هذه المستويات 1.6 مرة أعلى من المعدل الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية.
وبالنسبة للنساء، كان تعرضهن لضوضاء المرور والطرق، بمعدل أعلى من المتوسط، مرتبطاً بزيادة خطر العقم بنسبة 14٪ لمن تزيد أعمارهن عن 35 عامًا، وقد أرجع الباحثون السبب إلى أن الإجهاد واضطرابات النوم نتيجة الضوضاء قد يؤثران على خصوبة المرأة، ويذكر أن نتائج الدراسة كانت متشابهة سواء كانت الإقامة في المناطق الحضرية أو الريفية.
وتسلط هذه الدراسة الضوء على كيفية تأثير التعرض البيئي، على المدى القصير والطويل، على عملية التكاثر لدى الجنسين، وقد تعد دراسة غير مسبوقة وخطوة مفيدة في اكتشاف الصلة المحتملة بين تلوث الهواء والضوضاء من جهة والإصابة بالعقم من جهة أخرى، وفقا لموقع The Conversation
ويرى بعض الخبراء أن العالم لا يزال بحاجة إلى المز يد من الدراسات، التي تأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مثل نمط الحياة والعوامل البيولوجية مثل مستويات الهرمونات وكتلة الجسم، لأن كل ذلك سوف يوضح ويفسر التأثير المحتمل لتلوث الهواء والضوضاء على الخصوبة لدى الرجال والنساء وبالتالي يزيد من فرص الوقاية في المستقبل.