البحر المتوسط يعيد ترتيب أمواجه.. احترار قياسي بالعريش وعواصف في صقلية


مروة بدوي
الجمعة 30 اغسطس 2024 | 09:56 مساءً
البحر المتوسط
البحر المتوسط

تُصنف منطقة البحر الأبيض المتوسط من النقاط الساخنة مناخياً مقارنة بالمسطحات المائية الأخرى على الكوكب؛ حيث ترتفع درجة حرارة سطح البحر المتوسط ​​بنسبة 20% أسرع بسبب كونه بحراً شبه مغلق، ويزداد دفء المياه؛ ما ينتج موجات حارة بحرية مثيرة للقلق.

ومع تزايد تشابكات المعضلة المناخية، يبدو أننا أمام بحر أبيض متقلب المزاج، يعيد ترتيب أمواجه مواكباً الأزمة البيئية العالمية، مخبئاً مفاجآت ربما تكون غير سعيدة للبشر.

درجات حرارة قياسية على السواحل المصرية والفرنسية

حذر معهد علوم البحار، أكبر معهد مخصص لبحوث البحار في إسبانيا، من أن درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط سجلت رقماً قياسياً جديداً يوم 15 أغسطس الماضي؛ حيث بلغ متوسط ​​درجة حرارة سطح البحر 28.9 درجة مئوية، متجاوزة بذلك الرقم القياسي السابق البالغ 28.71 درجة مئوية الذي تم تسجيله في 24 يوليو 2023.

وأوضح الباحث الإسباني جوستينو مارتينيز لوكالة فرانس برس، أن أقصى درجة حرارة تم تسجيلها في 15 أغسطس كانت على الساحل المصري في مدينة العريش، وقد وصلت إلى 31.96 درجة مئوية، وقبل ذلك بثلاثة أيام، وصلت الحرارة إلى 30.8 درجة مئوية قبالة جزيرة كورسيكا الفرنسية و29.4 درجة مئوية بالقرب من مدينة نيس، وفقاً للبيانات الأولية التي نشرتها خدمة "كوبرنيكوس" لمراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي.

البحر المتوسطالبحر المتوسط

ومن المتوقع أن يؤثر ارتفاع درجة حرارة المياه على الحياة البحرية، بما في ذلك هجرة أنواع معينة، وانتشار الأنواع الغازية، ويمكن أن تهدد مخزون الأسماك، كما أن المسطحات المائية الأكثر دفئاً أقل قدرةً على امتصاص ثاني أكسيد الكربون؛ ما يعزز ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

عواصف قوية جنوب إيطاليا

ويتسبب ارتفاع درجة حرارة المياه في حدوث ظواهر مناخية قاسية ينتج عنها تغير طبيعة البحر المتوسط الذي أصبح الإبحار فيه أكثر خطورةً من الماضي، ومنها العاصفة القوية المصحوبة بأمطار غزيرة التي ضربت بلدة بورتيتشيلو على ساحل صقلية ليلة 19 أغسطس، واختفى بعدها يخت "Bayesian" الفاخر في الحادثة المأساوية التي راح ضحيتها سبعة أشخاص، كان من ضمنهم قطب التكنولوجيا الشهير الملقب بـ"بيل جيتس بريطانيا" مايك لينش وابنته.

اليخت الغارق في صقليةاليخت الغارق في صقلية

أزمة المناخ وزيادة خطورة الإبحار في المتوسط

في ظل الجدل العالمي الذي أثاره نبأ كارثة غرق اليخت الفاخر، عاد الحديث عن أزمة المناخ والبحر المتوسط، وأوضح خبراء إيطاليون أن درجات الحرارة القياسية في البحر المتوسط ​​هذا الصيف ساهمت في حدوث تلك العاصفة غير المعتادة، التي كانت أحد أسباب غرق اليخت قبالة سواحل صقلية، مع توقع زيادة وتيرة وشدة أحداث متطرفة مماثلة، مع تشديد أزمة المناخ قبضتها.

وقال لوكا ميركالي رئيس جمعية الأرصاد الجوية الإيطالية، في حديثه إلى صحيفة "الغارديان"، إن درجات الحرارة المرتفعة خلقت كمية هائلة من الطاقة؛ ما جعل العواصف أكثر شدة.

ودلل على رأيه قائلاً: "إذا كانت هذه العواصف حدثت منذ 30 عاماً، كان من الممكن أن تبلغ سرعة الرياح 100 كيلومتر في الساعة. أما اليوم فتبلغ سرعتها 150 كيلومتراً في الساعة؛ لأن ارتفاع درجات حرارة البحر بمقدار ثلاث درجات يعني كمية هائلة من الطاقة اللازمة للعواصف.

وفي يوم الحادثة، تراوحت درجة حرارة سطح البحر حول جزيرة صقلية، التي تعاني من الجفاف المستمر منذ عدة أشهر، بين 27.3 درجة مئوية و30.5 درجة مئوية، أي أعلى بنحو ثلاث درجات عن المعدل المتوسط، ويُعتقد أن اليخت قد ضرب بواسطة ما تعرف بـ"الرياح الهابطة"، وهي ظاهرة عنيفة تختلف عن الأعاصير، عبارة عن هبوب رياح قوية جداً تنحدر من عاصفة، يمكن أن تصل سرعة الرياح إلى أكثر من 200 كم/ساعة؛ حيث يرتفع الهواء الساخن وفي الوقت نفسه ينزل الهواء البارد الموجود في الأعلى، ويصطدم سريعاً بسطح الأرض على هيئة خطوط مستقيمة تنتشر في جميع الاتجاهات.

ومن ثم يمكن أن يشمل الضرر الناتج مساحات أكبر بكثير، مقارنة بالمساحة المتضررة من الإعصار. ونظراً إلى ارتباط "الرياح الهابطة" بظواهر العواصف الرعدية، غالباً ما تكون مصحوبة بهطول أمطار غزيرة وبرق، ويسبقها وجود سحب داكنة ضخمة تمتد عالياً في السماء.

البحر المتوسطالبحر المتوسط

ويشير روبرتو دانافارو عالم الأحياء البحرية في جامعة أنكونا الإيطالية إلى أن هناك صلة مباشرة وقوية بين درجات حرارة البحر الشاذة هذا الصيف وحدوث العاصفة التي ضربت سواحل صقلية، وأيضاً تتعلق بالأعاصير الأخرى التي حدثت مؤخرًا في البحر الأدرياتيكي، وهو جزء من البحر الأبيض المتوسط.

ويقول دانافارو: "لقد تزايدت وتيرة حدوث الأعاصير في البحر الأبيض المتوسط ​​خلال السنوات العشر إلى الخمسة عشر الماضية، واستناداً إلى درجات الحرارة المرتفعة، من المرجح أن نرى المزيد من الأعاصير في سبتمبر وأكتوبر؛ لأن "حرارة هذا الصيف لن تجلب الخير أبداً".

وأكثر ما يقلق علماء المناخ وقباطنة القوارب هو الدلائل التي تشير إلى تزايد خطورة الإبحار في البحر المتوسط، ومنهم الربان السابق جوليانو جالو، الذي علق في حواره مع موقع "hdblog" الإيطالي أن البحر المتوسط ​​أصبح يشبه منطقة البحر الكاريبي؛ حيث يتجنب القباطنة البحريون العديد من المناطق في أوقات معينة من العام بسبب الأعاصير المدارية.

البحر الكاريبيالبحر الكاريبي

وأضاف جالو أن الأوضاع في المتوسط أقل قابليةً للتنبؤ؛ ما يعتبر علامة واضحة على تغير المناخ وتقلب الظروف الجوية.

النشاط البشري وراء ما يحدث في البحر المتوسط

ويبدو أن كلمة السر وراء كل ما يحدث في البحر المتوسط هي الأنشطة البشرية؛ فكما كانت المسؤول الرئيسي عن ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة سطح البحر المتوسط منذ عصر الثورة الصناعية، تحالفت الظواهر المناخية المتطرفة مع "الخطأ البشري" وكانا سبباً في غرق اليخت الفاخر في غضون بضع دقائق، والذي كان يعتبر قارباً غير قابل للغرق، نتيجة طريقة بنائه وامتلاكه أطول سارية في العالم مصنوعة من الألومنيوم بارتفاع 75 متراً.

اليخت الغارق في صقليةاليخت الغارق في صقلية

ولذلك أعلن المدعي العام الإيطالي خلال المؤتمر الصحفي أن الفرضية المطروحة في المرحلة الأولية من التحقيق، أن ظاهرة جوية مفاجئة ضربت اليخت بينما كان بعض الركاب نائمين، وهو ما تسبب في وفاتهم. أما التكييف القانوني للقضية فهو تهمة غرق السفينة بسبب الإهمال والقتل غير العمد، دون تحديد هوية أي مشتبه به حتى الآن؛ حيث لم يستعد طاقم السفينة لمواجهة العاصفة التي أعلنت عنها السلطات، وتركوا الأبواب الجانبية مفتوحة؛ ما سمح بدخول أطنان من الماء في اليخت، كما أنهم لم يدقوا جرس الإنذار لتنبيه جميع الركاب داخل مقصورتهم بهبوب العاصفة، وفقاً لوكالة الأنباء الإيطالية أنسا.

واخيراً، تسلط هذه الأحداث المتطرفة وزيادة عدم القدرة على التنبؤ بحالة البحر الأبيض المتوسط، الضوء على التأثير السلبي لتغير المناخ والظروف الجوية؛ لذلك من الضروري مواصلة المسار نحو مستقبل أكثر استدامة عبر خفض درجات الحرارة العالمية وإعادة تهيئة ظروف مناخية أكثر استقراراً.

البحر المتوسط
البحر الكاريبي
اليخت الغارق في صقلية
صقلية