أزياء الفرق الرسمية في الأولمبياد ليست مجرد ملابس، بل هي وسيلة بصرية لعرض تراث وهوية الدول، وتساهم في الترويج للثقافة الوطنية وخلق صورة ذهنية إيجابية عن الشعوب؛ لذلك يعود تاريخ الموضة الأولمبية إلى عقود بعيدة؛ حيث تهتم البعثات بارتداء أزياء مميزة في المحافل الرياضية.
وخلال هذا الصيف، التقت الرياضة والأناقة؛ حيث تستضيف عاصمة الموضة العالمية النسخة الحالية من الأولمبياد، لذلك نجد أن النمط الباريسي للمدينة المضيفة قد ألهم الكثيرين ودفعهم للابتكار والإبداع.
وفي حفل الافتتاح المفتوح تحت سماء فرنسا، تحوَّل نهر السين إلى منصة كبيرة لعرض أزياء من نوع مختلف تماماً: موكب من القوارب العائمة تحمل على متنها البعثات الرياضية لـ205 دول، كلٌّ منها يستعرض الزي الأولمبي أمام مليارات المتفرجين حول العالم.
أزياء البعثات العربية في الأولمبياد
تشارك الفرق العربية في دورة الألعاب الباريسية بأزيائها الرسمية، واهتمت جميعها بالرموز الوطنية والإرث الثقافي، كما عمل المصممون على إبراز الصناعة التقليدية والحِرَف اليدوية، مع وجود لمسات خاصة ميَّزت كل فريق.
ونالت بعض هذه الأزياء الأولمبية العربية استحسان الصحافة العالمية، مثل زي الفريق المصري، الذي سوف نتناوله بالتفصيل لاحقاً، بجانب زي البعثة المغربية، الذي اعتبره موقع قناة Cnews الفرنسية من الإطلالات المميزة؛ لكونه تكريماً لرموز المملكة، مثل النجمة الخضراء مع ألوان العلم الوطني.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
عكست أزياء الفريق الفلسطيني الهوية الفلسطينية مع ألوان العلم والملابس التراثية، مثل الكوفية الفلسطينية والتطريزات والنقوش التقليدية التي تمثل الفنون والحِرَف اليدوية الفلسطينية القديمة التي ما زالت حيةً تُعبِّر عن تاريخ فلسطين ونضاله.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
وعملت المصممة السعودية لمياء السالمي على إبراز ثقافة المملكة وجذورها العريقة، عبر تفاصيل زي البعثة المستوحى من الملابس التقليدية؛ فقد جاءت الأزياء الرجالية من الثوب الأبيض مع البشت. أما ثوب الرياضيات فقد زُيِّن بنقوش ثوب النشل بلونه الذهبي المضيء.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
أجمل أزياء البعثات الوطنية في باريس
أعلن الموقع الرسمي للألعاب الأولمبية الصيفية باريس 2024 عن الأزياء الأولمبية الأكثر تميزاً، التي استطاعت أن تجذب الأنظار خلال الافتتاح، وقد تصدر هذه القائمة الأولمبية الزي الرسمي المذهل لفريق منغوليا المستوحى من الطراز التقليدي، الذي نال استحسان جميع وسائل الإعلام.
ربما استطاع الزي المنغولي تقديم قطع فريدة على المستوى الجمالي والثقافي تدعم المجتمع المحلي والصناعات التراثية، لكن من الناحية البيئية، لم يلتزم الزي بمبدأ الاستدامة؛ حيث تم تصميم أربعة أزياء مختلفة للفريق لحضور حفل الافتتاح والختام والفعاليات الرياضية، بجانب تصميم إكسسوارات خاصة مثل الأحزمة والقبعات والحقائب؛ لذلك ورغم تفرد التصميم وإشادة الجميع بالزي، سوف يُستبعَد من الأزياء المستدامة
قائمة الأزياء الرسمية الأكثر صداقةً للبيئة في أولمبياد 2024
في ظل أزمة المناخ التي يعيشها العالم، بات استغلال كل حدث عالمي فرصة يجب اقتناصها لتوجيه الأنظار نحو المخاطر المناخية، مع محاولةٍ لتقليل الآثار البيئية السلبية بكل طرق، ومنها الموضة والأزياء.
ومن المؤكد أن تصميم الأزياء الأولمبية مهمة شاقة وحساسة؛ فهي لا تعتمد على الحسابات الجمالية فقط، لكنها محاولة لتجسيد هوية وثقافة شعب ما بطريقة عصرية وحديثة، وتحويل تاريخه إلى حكاية مطبوعة على قطعة من القماش، مع مراعاة العوامل الجوية والتكلفة الاقتصادية.
وبالطبع الأمر سوف يزداد صعوبةً إذا أضفنا إلى كل ذلك الحسابات البيئية؛ فما الدول التي استطاعت أزياؤها الرسمية تحقيق المعادلة الجمالية، وفقاً لقائمة الموقع الرسمي للألعاب الأولمبية، مع دعم المعايير البيئية؟
تايوان
جاء زي الفريق في المركز السابع في القائمة الأولمبية للأزياء الأكثر تميزاً من الناحية الجمالية، لكنه في القائمة البيئية يتصدر الفرق الأولمبية، باعتباره أحد أروع الإطلالات في حفل الافتتاح، وقد نجح في الجمع بين ثقافة السكان الأصليين والفن والحرفية والاستدامة.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
لتنفيذ الزي الوطني، كوَّن المصمم التايواني جاستن تشو فريقاً يضم واحدة من كبرى شركات تصنيع المنسوجات التايوانية، التي ابتكرت أقمشة مستدامة تستهلك موارد أقل وقابلة لإعادة التدوير، ولديها تقنية تعمل على تبريد الجسم عند التعرق. من هذه المادة الصديقة للبيئة صُنع الزي الرسمي، الذي زُيِّن بألوان العلم وأزهار البرقوق؛ الزهرة الوطنية للبلاد.
كما ضمَّ الفريق آينج بانداي إحدى حكيمات السكان الأصليين في تايوان، وصاحبة لقب الكنز الحي الوطني؛ بسبب دورها في الحفاظ على الحرف التقليدية المهمة، ومنها تقنيات النسيج الأصلية باستخدام ألياف الموز، وهو المادة الطبيعية والمستدامة التي استخدمت في إنتاج أحزمة وأحذية الفريق التايواني.
مصر مرت من هنا
هل يمكن جعل الهوية الوطنية والاستدامة وجهين لعملة واحدة؟.. الإجابة تجدها في زي البعثة المصرية الذي يحاكي معايير الأزياء في الحضارة المصرية القديمة، التي كانت عملية وبسيطة مصنوعة من القطن المصري باللون الأبيض العاجي الذي يناسب الأجواء الحارة، وهي المفاهيم التي تظهر في الزي الرسمي الذي صممته إحدى العلامات التجارية المحلية.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
جاءت البدلات بأسلوب كلاسيكي أنيق، اعتمد القطن المصري العضوي الفاخر، وهو خامة عالية الجودة مستدامة ومحلية الصنع؛ ما يقلل نسبة الانبعاثات، خفيفة ومثالية لظروف الطقس الحار في باريس، كما جاءت القطع أحادية اللون من الأبيض العاجي، بعيداً عن الأصباغ التي تعتبر من مصادر تلوث المياه العذبة في العالم.
وعلَّقت مستشارة الموضة ومؤسسة علامة الأزياء الأمريكية Clementina إميلي هاوتين، أن الزي المصري استفاد من فكرة المظهر التقليدي الذي يمتاز بالأصالة، لكنه دائم الخضرة؛ حيث يمكن ارتداؤه في أي عقد من الزمان ولفترة طويلة من الوقت؛ مما يدعم مفهوم الموضة البطيئة. كل هذه الأسباب أهَّلت الزي المصري أن يأتي في المركز الثامن في القائمة الأولمبية للأزياء الأكثر تميزاً، وهو الفريق العربي الوحيد الموجود بالقائمة.
أيرلندا
جاءت ملابس الفريق الأيرلندي مليئة بالرمزية والاستدامة. ابتكرت المصممة لورا ويبر بدلة مستوحاة من التصميم الأيقوني للسترة المزدوجة الصدر، الذي يتميز بالراحة ورموز الثقافة الأيرلندية.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
استخدمت قماش التفتة بتقنية Eco Hybrid المصنوع من الأقمشة والزجاجات البلاستيكية المعاد تدويرها، الذي يجمع بين الراحة والنعومة. أما اللون فكان محايداً وبعيداً عن الصبغات الملوثة، وهو الأبيض الناصع، وتم تطريزه برموز التراث الأيرلندي، مثل نبات النفل والعلم الوطني وشعار المقاطعة المحلية لكل رياضي.
هاييتي
مزجت المصممة الإيطالية ذات الأصول الهاييتية ستيلا جان، الموضة مع الفن، فقدمت إطلالة عصرية مستوحاة من الملابس الهاييتية التقليدية بألوان العلم الوطني، ومزينة بزخارف من أعمال الرسام الهاييتي المعروف فيليب دودارد؛ ما عكس جمال البلد الكاريبي الصغير.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
ترتدي اللاعبات قميصاً من قماش "الشامبراي"، تم نسجه في هاييتي وفقاً لتقليد غزل "القطن الأزرق"، وهو تقليد محلي يميل إلى الانقراض. أما السترة التي تحمل الشعار الأولمبي، فقد صنعت من القماش المعاد تدويره، وبذلك حقق الزي الهاييتي مفهوم الموضة المستدامة مع الممارسات الأخلاقية التي تدعم تقاليد المجتمع المحلي والبيئة.
اليابان
لم يتم اختيار الزي الرسمي للبعثة اليابانية ضمن القائمة الأولمبية للأزياء المتميزة، لكنه يستحق الإشادة؛ لأنه وضع مصلحة البيئة في المقدمة، من خلال استخدام مواد معاد تدويرها، واعتماد الطاقة المتجددة في إنتاج الزي. وتقول الشركة المصممة Asics إن كمية الانبعاثات الناتجة عن عملية تصنيع الزي الرسمي الحالي قد انخفضت بنسبة 34٪ مقارنةً بالدورات الأولمبية السابقة.
الزي الرسمي أوليمبياد باريس
تصميم بسيط باللون الأحمر، يركز على تقليل البصمة الكربونية عبر إشارة مبتكرة؛ حيث كُتب على سترات وسراويل الرياضيين كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة أثناء عملية الإنتاج، مثل سترة بدلة الإحماء الخاصة بالفريق التي دُوِّن عليها رقم 8.8 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
وأخيراً، يجب أن تحاول الأولمبياد تقليل أثرها البيئي الذي يشمل أزياء البعثات؛ حتى لا تتحوَّل هذه الملابس في النهاية إلى عبء على الكوكب وتزيد من النفايات واستهلاك الموارد الطبيعية، كما نتمنَّى أن تلزم اللجنة الأولمبية الدولية الفرق الرياضية باعتماد مفهوم الموضة المستدامة في تصاميم البعثات وإعادة تدويرها؛ لأن هذه الأزياء التي يرتديها الرياضيون يمكنها أن تمرر رسائل بيئية بطريقة بارعة.