احتباس حراري و"أُسري".. كيف تزيد نسب الطلاق بفعل التغيرات المناخية؟


سلمى عرفة
الثلاثاء 23 مايو 2023 | 03:35 مساءً

مع كل سنتيمتر يرتفع لمستوى سطح البحر، أو موجة طقس متطرف، أو زيادة في درجة الحرارة، اعلم أن أسرتك مهددة بالتفكك. لستَ أنت وأفراد عائلتك بمعزل عن مغبة أضرار التغيرات المناخية المتسارعة في صعودها.

كل ظاهرة طبيعية متطرفة قد تساهم بشكل غير مباشر في قرارك بالانفصال عن شريكك وهدم أسرتك.. هذا ما توصَّلت إليه عدة دراسات وأبحاث عن تأثير الطقس على الحالة الاجتماعية.

الكوارث الطبيعية والطلاق

تختلف الآثار الاجتماعية التي يؤدي إليها التعرُّض للكوارث الطبيعية أو الظواهر المناخية المتطرفة مع اختلاف شدتها، لكن الأضرار النفسية والاقتصادية التي تنتج عنها قد تؤدي في بعض الحالات إلى زيادة نسب الطلاق، أو الانفصال الأسري، وهذا ما حدث في نماذج متعددة في الوطن العربي أو العالم.

عقب إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة في 2005، الذي أدى إلى خسائر اقتصادية تجاوزت 100 مليار دولار، ارتفعت معدلات الطلاق في بعض مناطق ولاية لويزيانا إلى نسب وصلت إلى الضعف، وتكرر الأمر كذلك في إعصار ساندي في 2012، بحسب موقع Slate.

قبل 13 عاماً، ضرب زلزال بقوة 8 ريختر منطقة سيتشوان بالصين؛ ما أسفر عن مقتل 90 ألف شخص، لكن ارتفاع معدلات الطلاق في المنطقة لاحقاً، أرجعه خبراء صينيون جزئياً إلى آثار الزلزال، وميل الناس إلى الاستمتاع بحياتهم لأقصى درجة، ومن ثم لا يستمرون في العلاقات التي لا تُرضيهم بالقدر الكافي، وفقاً لـchina Daily.

لكن الأمر في سيتشوان تزامن مع تركيبة سكانية ذات طبيعة خاصة؛ فالمنطقة اشتُهرت بهجرة ملايين الأشخاص منها سنويّاً، والانفصال عن أسرهم رغبةً في البحث عن عمل أفضل.

وفي مصر، قد تُجبِر التغيرات المناخية 5 ملايين شخص على الرحيل عن منطقة دلتا نهر النيل، وضياع استثماراتهم التي تصل إلى مليارات الدولارات

احتباس حراري و"أسري"

تزيد ظاهرة الاحتباس الحراري والظواهر الطبيعية الناتجة عنها، من موجات النزوح الداخلي الذي يؤثر بدوره على الاستقرار الأسري. ويُقدِّر البنك الدولي أن التغير المناخي قد يُجبر 216 مليون شخص على الهجرة داخل بلادهم بحلول عام 2050، ومنها منطقة شمال إفريقيا التي سيُضطر 19 مليون شخص من سكانها إلى اتخاذ هذا القرار.

لا نحتاج إلى الانتظار حتى عام 2050؛ فالأمر بدأ بالفعل في بعض مناطق القارة السمراء؛ فالسنوات الأخيرة من الجفاف الذي ضرب جبال أطلس في المملكة المغربية، حوَّلت قرى كاملة إلى قرى من النساء، بعد هجرة أعداد كبيرة من رجالها إلى المدن بحثاً عن لقمة العيش، بينما تتحمل الزوجات عبء رعاية الأطفال في ظل ظروف الطقس القاسية ونقص المياه.

وفي مصر، قد تُجبِر التغيرات المناخية 5 ملايين شخص على الرحيل عن منطقة دلتا نهر النيل، وضياع استثماراتهم التي تصل إلى مليارات الدولارات، بحسب تصريحات وزير الري والموارد المائية السابق الدكتور محمد عبد العاطي، في المؤتمر الرفيع المستوى للمياه من أجل التنمية المستدامة 2018، التي نقلها موقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

آثار الهجرة الداخلية أو الخارجية على نسب الطلاق وتفكك الأسر بدأت في الوطن العربي منذ سنوات طويلة باختلاف أسباب الانتقال؛ ففي كتاب انتقال العمالة العربية، رصد الدكتور محمود سعد الدين، والدكتور محمود عبد الفضيل، إحصائيات ربطت نسب الطلاق في السودان خلال سبعينيات القرن الماضي بقضية الهجرة؛ إذ كان 40% من القضايا التي فصلت فيها المحاكم يقف وراءها غياب الزوج لفترات طويلة.

رصد الباحثون زيادة نسبة استهلاك الموارد، ومن بينها الكهرباء والمياه، بين العائلات التي شهدت طلاقاً بنسبة تتراوح بين 42% و61% للفرد الواحد، مقارنةً بما قبل الانفصال

التفكك الأسري يفاقم أزمة المناخ

على الجانب الآخر، فإن الطلاق أو رحيل أفراد الأسرة يؤدي إلى قائمة طويلة من الأضرار البيئية؛ فانفصال السكن يؤدي إلى الحاجة إلى المزيد من المنازل الأصغر حجماً التي يسكن فيها عدد أقل من الأشخاص؛ ما يعني المزيد من استهلاك الطاقة، واستنزاف الأراضي، وانطلاق المزيد من انبعاثات غازات الدفيئة.

وفي دراسة لجامعة ولاية ميتشجان الأمريكية، رصد الباحثون زيادة نسبة استهلاك الموارد، ومن بينها الكهرباء والمياه، بين العائلات التي شهدت طلاقاً بنسبة تتراوح بين 42% و61% للفرد الواحد، مقارنةً بما قبل الانفصال.

ولولا الطلاق، لوفرت الولايات المتحدة 73 مليار كيلو واط/ ساعة من الكهرباء، و267 مليار جالون من المياه خلال العام الذي ركَّز عليه الباحثون.

الدراسة تناولت 12 دولة في مناطق مختلفة؛ منها جنوب إفريقيا واليونان والإكوادور، فاكتشفت أثر الطلاق على تفاوت متوسط عدد الذين يعيشون داخل المنازل؛ فالمطلقون استخدموا مساحات أكبر بنسبة لا تقل عن 33% للفرد الواحد مقارنةً بالمتزوجين.

الحياة الفردية تضر البيئة

الانفصال بين أفراد الأسرة بفعل الطلاق أو الهجرة، أو الميل إلى الحياة الفردية، يؤدي إلى الإضرار للبيئة. وعلى العكس؛ يؤدي العيش معاً إلى تقليل الاستهلاك بسبب المشاركة في العديد من تفاصيل الحياة من أجهزة منزلية، ونفايات، وأنظمة مرافق.

وكشفت دراسة لجامعة leeds البريطانية نشرها موقع MDPI المختص بنشر الأبحاث عام 2020، أن البصمة الكربونية للمنازل التي يعيش بها شخص واحد في عينة الدراسة، هي الأعلى مقارنةً بالمنازل الأخرى، ليصل متوسطها إلى 9 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون.

ووفقاً لتوقعات جامعة ملبورن، فإنه بحلول عام 2050 سينخفض متوسط عدد الذين يعيشون في منزل واحد إلى شخصين، مقارنةً بـ4 أشخاص في عام 1990.