يذوب في الفم ونكهاته متعددة ومنعش؛ ذلك الأيس الكريم أو المثلجات التي تعد مهرب أغلبنا في كل صيف؛ لعلها هي التي تُخفض، ولو مؤقتاً، درجة حرارة أجسادنا، لكن عادةً ما يأتي تصنيع تلك المنتجات على حساب البيئة التي نعيش فيها، ومواردها المحدودة.
"الأيس كريم" الذي ترجع بعض الروايات تاريخه إلى عصر ما قبل الميلاد، تطور عبر الزمن، حتى امتد إلى قائمة طويلة من المنتجات التي تجذب مختلف الفئات العمرية، وتتنوع في مذاقها وأشكالها.
لكن المكونات التي تدخل في إنتاج تلك المثلجات بالطريقة التقليدية، مثل الألبان والفانيلا والسكر وزيت النخيل، تسبب قدراً هائلاً من الأضرار البيئية.
الأيس كريم وإزالة الغابات
الأكثر قراءة
أما زيت النخيل الذي يمنح الأيس كريم قوامه الكريمي، فيرتبط إنتاجه بإزالة مساحات واسعة من الغابات؛ من أجل إفساح المجال لزراعته، وعادةً ما تؤدي أساليب الزراعة غير المستدامة في المزارع الأحادية إلى المزيد من تدهور المنطقة.
وعلاوةً على دورها في امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، تُشكِّل الغابات موطناً لـ80% من التنوع البيولوجي على كوكبنا بما تستضيفه من أنواع مختلفة من الكائنات الحية. ومن ثم، يعني إزالة تلك الغابات فقدان تلك الكائنات الموائل التي تعيش بها.
بحسب موقع "Global Forest Watch"، خسرت إندونيسيا منذ عام 1950 ما يزيد عن 70 مليون هكتار من غاباتها المطيرة لصالح زراعة عدد من المحاصيل؛ أبرزها زيت النخيل الذي أصبحت مسؤولة عما يقرب من 60% من إنتاجه العالمي.
الأمر يتكرر كذلك مع الفانيلا؛ فزيادة الطلب عليها أدى إلى تدمير مساحات واسعة من غابات جزيرة مدغشقر الواقعة في المحيط الهندي قبالة سواحل إفريقيا، وتتصدر دول العالم في زراعة النبات.
وفي الجانب الآخر من القارة السمراء، تقع غانا وكوت ديفوار المسؤولة عن إنتاج ثلثي الكاكاو الذي يستهلكه العالم، والذي يدخل في العديد من وصفات الأيس كريم، لكن الإقبال على زراعته كان أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في خسارة الدولتين 65% و95% من مساحات غاباتهما منذ منتصف القرن الماضي.
السكر والتلوث البيئي
وهناك السكر الذي يدخل كذلك في تصنيع "الأيس كريم"، والذي غالباً ما يجري استخلاصه من قصب السكر الذي تحتاج زراعته إلى كميات كبيرة من المياه، ويخلف كذلك كميات كبيرة من النفايات التي تساهم في تلوث البيئة.
بحسب شبكة "Water footprint Network"، يستهلك الكيلو الواحد من قصب السكر ما يزيد عن مائتي لتر من المياه.
اللبن الحيواني وغاز الميثان
ويساهم الاعتماد على الماشية في الحصول على الألبان المستخدمة في إعداد أنواع مختلفة من الحلوى، ومنها الأيس كريم، في انطلاق كميات كبيرة من غاز الميثان الذي يزيد من درجة حرارة الأرض، والذي ينبعث خلال عمليات تجشؤ تلك الحيوانات وإخراجها.
وتفوق قدرة غاز الميثان في المساهمة في احترار الكوكب بفارق يزيد عن 25 مرة مقارنةً بغاز ثاني أكسيد الكربون.
بحسب موقع "Our World in Data" للإحصائيات، تبلغ كميات غازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج اللبن الحيواني ما يزيد عن 3 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/ لتر.
وعلاوةً على ذلك، فإن عمليات تخزين منتجات الأيس كريم وعرضه في الأسواق تتطلب كميات كبيرة من الطاقة اللازمة للتبريد؛ ما يعني المزيد من انبعاثات غازات الدفيئة.
هل هناك "أيس كريم" صديق للبيئة؟
محاولات تقليل الأضرار البيئية الناتجة عن إنتاج الأيس كريم شملت العديد من التجارب التي خرج بعضها إلى الأسواق، ومن بينها تقليل كميات زيت النخيل، أو الاستغناء عنه تماماً، علاوةً على التخلي عن الألبان الحيوانية والاعتماد على نظيرتها النباتية ذات البصمة الكربونية الأقل، والمأخوذة من محاصيل جرى زراعتها بطرق مستدامة ومشروعة.
إحدى التجارب التي اعتمدت على التخلي عن المنتجات الحيوانية شهدتها جامعة ولاية كامبيناس في البرازيل، ونشرتها دورية "Brazilian Journal of Food Science Technology"؛ حيث نجح الباحثون في تطوير أيس كريم منخفض السعرات، اعتماداً على نوعين فحسب من البروتين النباتي: بروتين الصويا وبروتين الأرز، مع استخدام أنواع مختلفة من المحليات.
لكن التحدي الذي ظهر خلال هذه التجربة هو أن سكر "ستيفيا" – رغم ملاءمته للمعايير البيئية – لم تصل قدرته على التحلية إلى الأنواع الأخرى.