رغم أنها لا تُرَى بالعين المُجرَّدة، تشارك الكائناتُ الدقيقة الإنسانَ مصيره في مواجهة آثار التغيرات المناخية المدمرة.
والميكروبيوم عبارة عن مجموعة من الميكروبات (البكتيريا والفطريات والطحالب والطلائعيات والفيروسات) التي تعيش مع الإنسان أو على جسده أو داخل أمعائه، كما أنها توجد على الكائنات الحية أو غير الحية، نقلاً عن "ScienceDirect".
قال كريج فينتر رائد الجينوم البشري (أحد فروع علم الوراثة داخل الكائنات الحية): "النشاط البشري يسبب اختلالاً كبيراً في التوازن في الميكروبيوم العالمي".
وأضاف أن الوقود الأحفوري والملوثات الأخرى الناتجة من السلوكيات البشرية، تضر وتساهم في تغيير العالم غير المرئي للكائنات الحية الصغيرة التي تحافظ على توازن الحياة على سطح الأرض.
وأشارت عالمة الأحياء البحرية الأمريكية راشيل كارسون إلى ذلك باسم "نسيج الحياة" في كتابها الذي صدر عام 1962 بعنوان "الربيع الصامت"، الذي يسلط الضوء على حماقة البشر التي تؤدي إلى تلوث بيئة الكائنات الدقيقة، نقلاً عن "Vanity Fair".
ومن خلال العديد من الأبحاث العلمية، استطاع فينتر خلال 30 عاماً إثبات أن هذه المخلوقات لها مكان على وجه الأرض، بما في ذلك الغلاف الجوي وأعماق الأرض والأنهار الجليدية، وفي كل وردة، وداخل قلوب الحيوانات.
تأثير حيوي
ويعيش نحو 39 تريليون من الميكروبيوم داخل وخارج جسم الإنسان، وتشير الأبحاث إلى أنها يمكن أن تؤثر على الصحة والحالة المزاجية والمدة التي يحياها الإنسان، إضافةً إلى تأثيرها على كل الأنواع الأخرى من الحيوانات، ومن ثم فإنه كلما زادت السلوكيات البشرية الخاطئة، تأثر المناخ كثيراً، ويعود الأمر بالضرر على مثل هذه الكائنات التي تخدم الكوكب.
والميكروبات هي السبب أيضاً وراء وجود أكسجين بالغلاف الجوي؛ وذلك لأن بعضها – العوالق النباتية الميكروبية في المحيطات – يستنشق الكربون ويزفر الأكسجين؛ ما يُنتج 60% من إجمالي الأكسجين الأرضي.
ويؤدي الإفراط في تناول الوجبات السريعة إلى الإخلال بتوازن الميكروبات في الأمعاء؛ إذ تضغط الممارسات البشرية على الأنظمة الحيوية للجسم، وقد يصل الأمر إلى الانهيار.
ويساهم الاعتداء على ميكروبيوم المحيط من خلال النفط أو الملوثات التي نلقيها، أو أي ممارسات غير صديقة للبيئة أيضاً، في موت الشعاب المرجانية. ويرجع ذلك إلى أن تغير المناخ يؤثر على البكتيريا التي تعيش بطريقة تكافلية مع الشعاب المرجانية، وتُعَد المسؤولة عن ألوانها.
كما يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات حرارة المحيطات والتلوُّث إلى إخراج المرجان لهذه البكتيريا؛ ما يؤدي إلى ابيضاض الشعاب المرجانية وموتها عندما تتحوَّل من الألوان الزاهية إلى الأبيض.
الأمعاء البشرية
ومن خلال مقال نُشِر في مجلة التغذية البشرية والتمثيل الغذائي، ناقش العلماء تأثير تغير المناخ على الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء البشرية، وتبين أنها حساسة بشكل كبير لتغير المناخ، وخاصةً عند ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.
ووفق البروفيسورة سانشاري سينها دوتا، أظهرت الدراسات أن تغير المناخ يقلل من جودة ميكروبيوم التربة وخصوبتها، ويُغيِّر تركيبها، ومن ثم يغير مستويات الكربون والنيتروجين في التربة؛ ما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي، الذي ينتج عنه استنفاد الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء البشرية؛ بسبب قلة المغذيات في المحاصيل؛ ما يؤدي إلى ضعف التمثيل الغذائي للميكروبات المعوية والتأثير السلبي على صحة الإنسان، بحسب "News-Medical.net".
وتلعب الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء دوراً مهماً في تنظيم العديد من العمليات الفسيولوجية، بما في ذلك عملية التمثيل الغذائي، والجهاز المناعي، والجهاز العصبي النفسي، ومن ثم فإن أي خلل في تكوين وتنوع الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء، سيؤثر سلباً على الإنسان.
وسلَّط أحد الأبحاث الضوء على العلاقة بين الشيخوخة وخلل الميكروبات في الأمعاء؛ إذ لوحظ أن انخفاض وفرة الأنواع الميكروبية التي تنتج الزبدات (المواد التي تمنع التهاب القولون) يرتبط بالظروف الصحية، ورغم أن ثراء الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء يزداد مع تقدُّم العمر، فإن كبار السن يُظهِرون وفرةً منخفضةً من الأنواع البكتيرية التي تُشكِّل الكائنات الحية الدقيقة الأساسية.
ويمكن أن يؤثر عدم التوازن في وفرة البكتيريا المفيدة على القدرات البدنية المرتبطة بالعمر عن طريق إحداث الالتهاب، وتقليل كتلة العضلات الهزيلة، وتغيير استقلاب الدهون، وتقليل مستويات الفيتامينات؛ ما يُسبِّب ظهور علامات الشيخوخة مبكراً.