مقاومة للحرارة والابيضاض.. كيف نجت شعاب البحر الأحمر من تغير المناخ؟


مروة بدوي
الاربعاء 13 ديسمبر 2023 | 06:53 مساءً

يغلب اللون الأزرق على الخريطة؛ حيث يغطي الماء 70% من مساحة الكرة الأرضية. ومع تفاقم أزمة تغير المناخ، باتت الشعاب المرجانية التي تمثل جزءاً مهماً ومؤثراً من النظم البحرية مهددة بالانقراض، بفعل ارتفاع درجات الحرارة؛ لذا كانت مبادرات الحلول والإنقاذ حاضرة ضمن نقاشات المنطقة الخضراء في "COP28" لحماية النظم البيئية البحرية، وتوفير الموائل الطبيعية للحفاظ على الكوكب.

جدوى اقتصادية وصحية

الشعاب المرجانية من أكثر النظم الإيكولوجية الساحلية تنوعاً بيولوجياً على الكرة الأرضية؛ فهي موطن لآلاف الأسماك والأنواع البحرية، كما تتمتع بجدوى اقتصادية وصحية؛ حيث يقطن نحو 40% من سكان العالم على مسافة 100 كيلومتر من المحيط؛ ما يعني أن حياة وسبل عيش هذه المجتمعات تتأثر بالأضرار التي تتعرض لها.

تحافظ هياكل الشعاب المرجانية على سلامة المجتمعات البشرية؛ حيث تحمي السواحل من موجات العواصف والأمواج الشديدة، كما تلعب دوراً مهماً على صعيد السلامة الصحية، بفضل الكائنات الحية التي تعيش فيها، والتي كشفت أبحاث حديثة عن احتوائها على جزيئات ذات آثار دوائية مضادة للالتهابات والفيروسات والأورام والبكتيريا، يمكن استخدامها في تطوير علاجات جديدة لأمراض مثل ألزهايمر والقلب.

تهديد بالانقراض

ارتفاع درجات حرارة مياه البحار والمحيطات الناتج عن أزمة المناخ يؤدي إلى إجهاد الشعاب المرجانية، وهروب الطحالب التكافلية التي تقطن أنسجتها؛ ما يجعلها تعاني من ظاهرة الابيضاض؛ حيث تتحول من الألوان الزاهية إلى اللون الأبيض، وحينها تصبح مهددة بالموت والانقراض.

وتشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن نحو 70% من الشعاب المرجانية في العالم باتت مهددة؛ حيث دُمرت 20% منها نهائياً، بينما ما زالت 24% معرضة للانهيار الوشيك، فيما تواجه 26% خطر التهديدات على المدى البعيد.

وحسب دراسة أمريكية عام 2020، يمكن أن يؤدي الارتفاع الشديد في درجات حرارة سطح البحر، وزيادة حموضة المحيطات، إلى القضاء على جميع موائل الشعاب المرجانية تقريباً بحلول عام 2100.

نتيجةَ هذه الخصائص، ربما يكون شمال البحر الأحمر في المستقبل ملاذاً عالمياً للشعاب المرجانية المهددة بالانقراض في العالم كله

فرصة لإنقاذ الشعاب المرجانية من الموت

أبحاث حديثة كشفت أن الشعاب المرجانية في منطقة خليج العقبة شمال البحر الأحمر، تتمتع بالقدرة على مقاومة التغير المناخي، والمرونة في التكيف مع احترار المياه بشكل لا يوجد في أي مكان آخر بالعالم؛ حيث أظهرت النتائج قدرتها على تحمل الإجهاد الحراري، حتى إنها مع ارتفاع الحرارة إلى 6 درجات مئوية أعلى من المتوسط خلال الصيف، لا يتحول لونها إلى الأبيض، في حين يُصاب المرجان في المناطق الأخرى بالابيضاض عند تجاوز متوسط الحرارة في الصيف درجة أو درجتين.

كل هذه الخصائص الفريدة لـ"شعاب العقبة" لم يتمكن العلماء بعدُ من وضع تفسير محدد لها، لكنهم متفائلون تجاه قدرتها على النجاة من أزمة تغير المناخ، اعتماداً على تاريخها؛ إذ يُعتقد أن مقاومتها للحرارة ناتجة عن هجرتها من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر خلال العصر الجليدي الأخرى، منذ نحو 20 ألف عام.

وللوصول إلى خليج العقبة كان عليها المرور عبر خليج عدن والجزء الجنوبي من البحر الأحمر؛ حيث تكون المياه أكثر دفئاً. وعلى مدى أجيال، انتقلت يرقات الشعاب المرجانية من الجنوب الدافئ إلى الشمال ذي الحرارة المنخفضة، ولهذا يمكن رؤيتها في شمال الأحمر البحر، تمتاز بتحمُّل حراري أعلى من المتوقع.

ونتيجةَ هذه الخصائص، ربما يكون شمال البحر الأحمر في المستقبل ملاذاً عالمياً للشعاب المرجانية المهددة بالانقراض في العالم كله؛ إذ يأمل بعض العلماء الاستفادة من صفات شعاب العقبة، ونشر قدرتها على التحمل الحراري عبر التهجين بين مجموعات المرجان المختلفة؛ لحمايتها قبل أن تحتضر بسبب الاحترار.

مبادرات عربية لحماية الشعاب المرجانية

تحت مظلة معرض مبادرة السعودية الخضراء 2023، الذي يفتح أبوابه في دبي طوال فترة انعقاد "COP28"، أُلقي الضوء على المبادرات التي أطلقتها المملكة لحماية المناطق البحرية، ومنها مبادرة المحافظة على الشعاب المرجانية للحد من تضرر الموائل؛ حيث وضع فريق من علماء مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بيانات تثبت أن الجزء الشمالي من البحر الأحمر هو المكان الوحيد الذي تتمتع شعابه المرجانية بالمرونة والمقاومة للحرارة، والقدرة على حماية نفسها ضد تغيرات المناخ.

وفي إطار العمل المناخي، وجه مركز محمية العقبة البحرية في الأردن أبحاثه ومبادرته إلى اكتشاف الخصائص الفريدة للشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر، بهدف الحفاظ على الثروة المرجانية والتنوع الحيوي في خليج العقبة.

واستعرض جلالة الملك عبد الله الثاني، في كلمته الافتتاحية بمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP28"، تفاصيل هذه المبادرة؛ حيث أبدى اهتمامه بحضور فعالياتها التي تساهم في جهود الحفاظ على الشعاب المرجانية، وإنعاشها في البحر الأحمر وجميع أنحاء العالم.