كعادتهم اليومية، توجه البريطانيون في مطلع أغسطس عام 1861، إلى شراء جريدة "التايمز"، ليُفاجؤوا بقسم جديد تضمه صفحات الجريدة، وهي نشرة التوقعات الجوية، لتصبح بذلك أول نشرة طقس يومية منشورة في العالم.
وعبر عشرات العقود، أصبحت التوقعات الجوية جزءاً من الحياة اليومية، غير أن الاهتمام بها تصاعد بشكل فارق بالتزامن مع موجات الطقس المتطرف في العالم.
وباتت نشرات الطقس جزءاً أصيلاً من أي وسيلة إعلامية حديثة؛ بدءاً من صفحات الدوريات، مروراً بموجات الراديو وشاشات التليفزيون، وصولاً إلى منصات التواصل والتطبيقات الهاتفية التي زاد تأثيرها بشدة خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب تقديرات مؤسسة ريبورت لينكر (منصة للذكاء الاصطناعي) من المتوقع أن يرتفع حجم سوق التطبيقات الذكية التي تقدم خدمات الطقس إلى 1.4 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي يتجاوز 9%.
إفريقيا واسكتلندا
واختبرت هاجر محمد (فتاة مصرية ثلاثينية) اختلاف الأحوال الجوية في دول تبعد عن بعضها مساحات شاسعة، لا سيما بعد أن قررت السفر للتطوع في إحدى دول غرب إفريقيا عام 2019، لتفاجأ بارتفاع نسبة الرطوبة، وهطول الأمطار لفترات طويلة قد تصل إلى يومين كاملين؛ إذ بدأ اهتمامها بمتابعة أحوال الطقس يزداد، واعتمدت على تطبيق "أبل" لمتابعته.
وقالت هاجر لـ"جرين بالعربي" إنه خلال وجودها في مصر، لم تهتم بمتابعة أحوال الطقس، إلا في فترات هطول الأمطار، وكانت تلجأ خلالها إلى تصفُّح الأخبار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد عودتها إلى مصر، سافرت مجدداً في عام 2022 للدراسة في إحدى جامعات اسكتلندا لتواجه طقساً قارساً من الرياح والثلوج، واستمرت في الاعتماد على الوسائل الإلكترونية لمتابعة أحوال المناخ.
يتوقع أن يرتفع حجم سوق التطبيقات الذكية التي تقدم خدمات الطقس إلى 1.4 مليار دولار بحلول عام 2028 بمعدل نمو سنوي يتجاوز 9%
وعن علاقتها بالنشرات التقليدية، أشارت هاجر إلى ضرورة تحسين خدمة نشرات الطقس عبر تبسيط المعلومات، وتعريف الجمهور بالمصطلحات المستخدمة، والاستعانة بوسائل جديدة، مثل الرسوم المتحركة لنقل تلك المعلومات.
أساليب التواصل
وفي معهد أبحاث وتحليلات السياسة العامة بجامعة أوكلاهوما الأمريكية، يقود الدكتور جو روبرج، برنامجاً يهدف إلى فهم كيف يمكن لخبراء الأرصاد نقل المعلومات بطريقة أفضل؛ حتى يمكن للجمهور اتخاذ قرارات بناء عليها.
وتقول الباحثة ماكنزي كروكاك إن الكثير من برامج علم الأرصاد الجوية تتناول كيفية توقع الطقس، وقراءة النماذج المختلفة، وإجراء العمليات الرياضية، لكن غالباً ما تفتقر إلى تدريس طرق المشاركة الفعَّالة لتلك المعلومات.
ويشمل البرنامج إجراء سلسلة من الاستطلاعات حول كيفية تلقي الجمهور المعلومات المتعلقة بالطقس المتطرف، وردود الفعل حول التحذيرات الجوية، وتخزين هذه المعلومات في لوحة تفاعلية يمكن للعاملين في قطاع الأرصاد استخدامها.
وتتضمن خطة البرنامج تدريباً لخبراء الأرصاد وغيرهم من العاملين في المجال حول كيفية نقل المخاطر المتعلقة بالطقس إلى فئات سكانية مختلفة، وتقديم اقتراحات حول العناصر المرئية التي يتم استخدامها في التصميمات المنشورة عبر الوسائل التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي.
مصطلحات مناخية
وهناك تحديات تتعلق بكيفية اختيار المصطلحات المناسبة لكل فئة في البلدان التي يسكنها أعداد كبيرة من الأجانب.
ففي الولايات المتحدة مثلاً، تمثل الأعاصير المتكررة ظاهرة جديدة بالنسبة إلى الكثير من متحدثي الإسبانية، ولا يمكن للمتحدثين باللهجات العامية فهمها فهماً صحيحاً.
وأشارت الباحثة ماكنزي كروكاك، إلى أن هناك ألفاظاً أخرى متعلقة بالطقس لا توحي عند ترجمتها بالدرجة نفسها من الخطورة التي تحملها الألفاظ الإنجليزية.
استخدام اللهجات المحلية في نشرات الطقس يرفع معدل تأثير المحتوى خصوصاً كلما اقتربت من حياة الفرد.. ويفضل تبسيط الرسالة الموجهة قدر الإمكان من خلال إضافة شرح إضافي يعتمد على النصوص
وتواصلت "جرين بالعربي" مع مستشارة التواصل في المعهد النرويجي للأرصاد الجوية مايلين سفيهاجن، التي أطلقت مشروعاً لتدريب خبراء الأرصاد على التواصل مع الجمهور بشأن أزمة المناخ، ونشر المحتوى كذلك على منصات السوشيال ميديا.
وأكد البرنامج التدريبي، الذي نُشر في دورية Advances in Science and research، ضرورة تحويل التغيرات المناخية إلى جزء مألوف من فقرات الطقس في التلفزيون والراديو وعلى منصات التواصل.
إنفلونسرز الأرصاد
وبدورها أيدت سفيهاجن استخدام اللهجات المحلية في نشرات الطقس، بهدف زيادة تأثير المحتوى على حياة الأفراد، وتبسيط الرسالة الموجهة قدر الإمكان من خلال إضافة شرح إضافي يعتمد على النصوص.
أشادت سفيهاجن باتجاه بعض خبراء الأرصاد إلى إنشاء محتوى على منصات السوشيال ميديا حول الطقس؛ إذ وصفتها بـ"الفرصة العظيمة" للوصول إلى الجمهور.
ويُعَد من الأمثلة على ذلك كريس بيانشي خبير الأرصاد والمذيع في شبكة "9News "، الذي استغل منصة "تيك توك" لإنتاج مقاطع تجيب بأسلوب بسيط على ما يشغل الجمهور حول الطقس في ولاية كولورادو الأمريكية، لتحصد هذه المقاطع عشرات الآلاف من المشاهدات.