بينما يعاني العالم العربي من تفاقم معاناة الفئات الهشة جراء التغيرات المناخية، تمثل جهود برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" في دعم الاستدامة، وتعزيز مبادرات الأمن الغذائي، ودعم الفئات الضعيفة نوراً وسط واقع معتم وعصيب تفرضه الأزمات العالمية الطاحنة، وهي الجهود التي تبرز خلال كافة الفعاليات العربية الهامة.
وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، شهد مقر جامعة الدول العربية، الثلاثاء 24 أكتوبر 2023، انطلاق منتدييّ "المجتمع المدني"، و"الشباب العربي" حول الأمن الغذائي.
تحديات عربية
ألقى صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، كلمته التي ركز فيها حول تأثير الأمن الغذائي على حياة ملايين البشر وصحتهم بجميع أنحاء العالم، ولا سيما دول العالم العربي الذي يواجه تحديات في الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وقال صاحب السمو الملكي، خلال كلمته، "يعاني 54 مليون شخص بالوطن العربي من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأشكال متعددة من سوء التغذية، ما يجعل عالمنا العربي يعاني من صعوبة في تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وهو القضاء على الجوع"، مضيفاً أن الأزمات الدولية مثل جائحة كوفيد 19، والأزمة الروسية الأوكرانية، وتغير المناخ أدت إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية وإشكالات الأمن الغذائي في المنطقة.
سلط صاحب السمو الملكي الضوء على دور منظمات المجتمع المدني العربي في تعزيز الأمن الغذائي ووصفها بـ"حلقة الوصل الأكثر قوة ومرونة في جهود تعزيز بناء الشراكة والتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الحكومات والقطاع الخاص من جانب، وصغار المزارعين ومنتجي الغذاء والمجتمعات المحلية".
وأكد الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود على قدرة منظمات المجتمع المدني في تنظيم ورش العمل والبرامج التدريبية لتعزيز مهارات المزارعين والشباب والنساء إضافة إلى تمكين الأفراد، والمجتمعات المحلية المهمشة، حتى يصبحوا مشاركين فاعلين في تحقيق أمنهم الغذائي.
دور الشباب
صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، أكد على أهمية مشاركة الشباب في الحلول المستدامة وتوظيف طاقتهم وتفكيرهم الابتكاري لمعالجة القضايا المحيطة بالأمن الغذائي، وذلك لأن ثلث سكان المنطقة العربية من الشباب تقل أعمارهم عن 25 عاماً.
وقال صاحب السمو الملكي إن برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" على قناعة بأن إطلاق العنان للشباب يؤدي إلى إحداث تغيير إيجابي في الحلول المستدامة لقضية الأمن الغذائي.
وأعلن أن البرامج والمؤسسات التنموية لـ"أجفند" والتي تشمل المجلس العربي للطفولة والتنمية، ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، والشبكة العربية للمنظمات الأهلية، وبنوك التمويل الأصغر، والجامعة العربية المفتوحة على استعداد للإسهام في تحقيق توصيات المنتدى بعد إقرارها، والعمل على توظيف كل خبراتها وشراكتها الأممية والدولية والإقليمية لزيادة فعالية المجتمع المدني والشباب في تعزيز الأمن الغذائي العربي.
أرقام عربية صادمة
تحدث الدكتور ناصر القحطاني، المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، خلال كلمته، عن تصاعد حدة أزمة الغذاء بالمنطقة العربية، كما لفت إلى الإحصائية التي تكشف عن معدل نقص التغذية في المنطقة، والذي بلغ 12.2% عام 2021، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 9.8%، وهذا يعني عدم السير على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
تكشف الإحصائيات والبيانات الموثقة التي لفت إليها المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية إلى أن النساء والأطفال الأكثر تضرراً من سوء التغذية ومعدلات انتشار الهزال بين الأطفال ممن دون عمر الخامسة بالمنطقة العربية أعلى من المتوسط العالمي، إضافة إلى بلوغ نسبة انتشار فقر الدم بين النساء في سن الإنجاب لـ33.2% عام 2019 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ نسبته 29.9%.
ووفق كلمة القحطاني، فإن المؤشرات السابقة تهدد رأس المال البشري، وفرص المنطقة في تنشئة أجيال قادمة على المستوى الصحي والتعليمي اللائق للعمل والإنتاج، لذا لابد من تضافر جهود جميع الأطراف خاصة المجتمع المدني العربي الذي وصفه بـ"شريك أساسي في تعزيز الأمن الغذائي، والجسر الذي يربط بين المجتمعات المحلية من جانب وجميع الأطراف والشركاء من جانب أخر وهم الحكومات العربية والمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث العلمي والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية".
مبادرات ثرية
وتحدث عن منهجية عمل بنوك "أجفند" للشمول المالي في تحقيق الهدفين الأول والثاني من أجندة 2030 أي القضاء على الفقر والجوع من خلال القيام بشراكات مع صغار المزارعين وإدراجهم بشكل جيد في النظام المالي، إضافة إلى مساعدتهم على استخدام التكنولوجيا.
النهج الذي تتبعه "أجفند" يمثل رؤيتها بأن الزراعة ذات الحيازات الصغيرة، خط الدفاع الأول عن المشاريع الصغيرة القابلة للاستمرار تجارياً، واصفاً المزارعين بـ"شريحة منتجة تواجه تحديات انعدام الأمن الغذائي".
وأكد الدكتور ناصر القحطاني أن "أجفند" استطاعت مساندة صغار المزارعين عن طريق تأمين مؤشرات الطقس، ما زاد من الإيرادات خمسة أضعاف، لافتاً إلى أن تقديم البذور المقاومة للمناخ، والميكنة الصغيرة يحفز صغار المزارعين لإنتاج المزيد من الغذاء وسد الفجوة بين العرض والطلب، كما يرفع مؤشر الإنتاجية في تقييم نجاح المشروع.
تواصل بنوك أجفند تقديم الخدمات المالية وغير المالية خاصة في المناطق التي تشهد أزمات وطوارئ كالتي تحدث في السودان واليمن وسوريا، وإتاحة خدمات مجانية لصغار المزارعين مثل التسويق المجزي لمنتجاتهم؛ لمواجهة ظاهرة بيع المحاصيل بأسعار أقل من السوق، وذهاب الفائدة للوسطاء، وبالتالي يخلق "أجفند" حالة من التعامل العادل بين هذه الفئات.
أما في مجال مكافحة الفقر وتمكين النساء والفتيات، تقدم مؤسسات "أجفند" التنموية مثل مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث في تونس، والشبكة العربية للمنظمات الأهلية بالعاصمة المصرية القاهرة، مبادرات تنموية للفئات الأكثر هشاشة واحتياجاً من الفلاحات والنساء المعيلات، إضافة إلى مراعاة تأمين الغذاء والرعاية الصحية.
وتساعد المؤسسات على التمكين الاقتصادي والاجتماعي من خلال محو الأمية المالية والتثقيف والتدريب وبناء القدرات، ثم تزويد الفئات الهشة بأدوات الإنتاج، لتأسيس مشروعات صغيرة لكسب الدخل، أو إلحاقهم بفرص عمل متاحة في مجتمعاتهم المحلية، ومن هذه المبادرات المجموعات التنموية الأهلية لمكافحة الفقر في مصر، والسودان، والمغرب، واليمن، ولبنان والبحرين، وتمكين النساء من أجل الأمن الغذائي في الأردن.
وسلط المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية الضوء على دور الإعلام العربي لرصد إسهامات المجتمع المدني، وإبراز نماذج النجاح لتكون قدوة نموذجاً لدعم الأمن الغذائي العربي والأفريقي.
رسائل المنتدى
وقدمت رسائل المنتدى، هدى البكر، المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية، قائلة: "ندعو الحكومات العربية والمجتمع المدني إلى مزيد الاهتمام بقضايا الممارسات الزراعية المستدامة وترشيد استخدام الموارد المائية، من خلال تشجيع تشكيل منظمات وروابط المنتجين سواء في الزراعة أو الصيد أو تربية الماشية باعتبارهم أصحاب المصالح المباشرين".
وشددت على أهمية تشجيع الزراعات التعاقدية من أجل تحسين أحوال صغار المنتجين وزيادة الإنتاجية الزراعية بمدخولات أقل وكذلك ضمان شروط عمل وتبادل عادلة، هذا بالإضافة إلى دعم صغار منتجي الغذاء من خلال تقديم خدمات تمويلية وتأمينية ميسورة التكلفة.
وأضافت الأستاذة هدى البكر: "ندعم المبادرات الرامية إلى الشمولية والمشاركة، بحيث يتم شمول ومشاركة جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك المجتمعات المهمشة والنساء والشباب وصغار المزارعين ومنتجي الغذاء، هذا بالإضافة إلى إشراك منظمات المجتمع المدني في عمليات صنع القرار وصياغة السياسات لضمان التمثيل العادل والمتوازن للجميع.
وأكدت أهمية دعم المبادرات والمشاريع التي تقودها المجتمعات المحلية، والتي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتشجيع منظمات المجتمع المدني على العمل بشكل وثيق مع المجتمعات المحلية، لتمكينها من القيام بدور نشط في مواجهة تحديات الأمن الغذائي الخاصة بها.
وتُقام فعاليات المنتديين في ضوء الاستعداد لعقد الدورة الخامسة من القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بالجمهورية الإسلامية الموريتانية في نوفمبر المُقبل.