دقَّ الصليب الأحمر الأمريكي ناقوس الخطر قبل نحو شهر، معلناً الحاجة إلى متبرعين بجميع فصائل الدم والصفائح الدموية؛ بسبب نقص الدم في جميع الولايات المتحدة نتيجة تفاقم الكوارث المناخية.
وانخفضت إمدادات الدم بنسبة 25%، وهو ما وصفته المنظمة عبر موقعها الرسمي بـ"مستويات منخفضة للغاية"، ويهدد الرعاية الطبية للمرضى الذين يحتاجون إلى الدم بشكل طارئ، بجانب الحالات الحرجة والمزمنة التي تعتمد على عمليات نقل الدم لإنقاذ حياتها.
هذا الإعلان التحذيري فرض تساؤلاً حول تأثير التغيرات المناخية المتطرفة على عمليات التبرع بالدم، وطرق الاستعداد لأوقات الطوارئ.
المناخ والتبرع بالدم
الأكثر قراءة
ويؤدي تفاقم الظواهر الطبيعية الناجمة عن المناخ إلى زيادة الضغط على إمدادات الدم لإنقاذ حياة الناجين، لكن في الوقت نفسه تتسبَّب هذه الكوارث المناخية في تقليل التبرعات بالدم والصفائح الدموية التي تشتد الحاجة إليها في المناطق المتضررة والمنكوبة.
وذكر الصليب الأحمر الأمريكي أن إعصار "إداليا" الذي ضرب جنوب شرق الولايات المتحدة أواخر أغسطس الماضي، تسبب في توقف حملات التبرع، وعدم جمع أكثر من 700 وحدة من الدم والصفائح الدموية فقط.
وتُراقِب المنظمة عن كثب إعصار "لي" وتأثيره المحتمل على المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد؛ ما قد يزيد من عرقلة حملات التبرع؛ إذ قالت المنظمة إن الحاجة إلى الدم ثابتة؛ فكل ثانيتين يحتاج شخص ما داخل الولايات المتحدة إلى الدم، وقد تزايدت هذه الضرورة الملحة في الوقت الراهن.
ولا يقتصر الأمر على الكوارث المناخية، بل تتأثر سلوكيات المتبرعين بموجات الطقس السيئ أيضاً؛ حيث أظهرت دراسة نُشرت عام 2020 حول تأثير العوامل الجوية على التبرع بالدم، أن حالة الطقس مثل درجة الحرارة أو هطول الأمطار وتساقط الثلوج، قد تؤثر سلباً على الأنشطة البدنية والعمل الاجتماعي مثل التبرع الدم، إضافة إلى انخفاض مخزون الدم أثناء وقوع الأحداث المناخية، مثل موجات البرد الشديدة أو العواصف الثلجية نتيجة تعطيل حملات التبرع أثناء هذه الأجواء.
وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن أماكن التجمعات مثل النوادي والمدارس، التي تُمِد المراكز بنسبة كبيرة من وحدات الدم، لا تستطيع استقبال حملات التبرع الخارجية خلال فترات الكوارث والطقس السيئ؛ ما يساهم في التأثير السلبي.
نماذج تنبؤات
وخلَّفت الكوارث المناخية، كالزلازل والأعاصير، وموجات ارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات التي شهدها المغرب وليبيا والأردن ولبنان والجزائر وتونس وسوريا، آلاف المصابين المحتاجين إلى الدم من فصائل مختلفة، وتتعقَّد الأمور أمام مؤسسات الإغاثة، وتُواجِه تحديات عديدة خاصة للوصول إلى المناطق النائية والوعرة.
وبدوره، قال إيلي أبو عون المدير الإقليمي للجنة الدولية للاغاثة في ليبيا، لـ"جرين بالعربي"، إن كل خطة استجابة لحالة طارئة مثل الزلازل أو أي كارثة أخرى، يجب أن تتضمن في عناصرها تأمين أكياس الدم؛ لضرورة التوفير للمصابين، لكن في المقابل يتناقص أيضاً التبرع أثناء حالات الكوارث.
وفيما يتعلق بتقديم الدعم اللوجستي وصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بسبب الظواهر المناخية القاسية، أوضح أبو عون أنه يتم استقبال المتبرعين في المدن القريبة للمناطق المتضررة، ثم يتم نقل الدم في حاويات مجهزة إلى الجرحى في فترة زمنية قد تستغرق 3 ساعات على الأكثر.
في ظل تنامي ظاهرة التغير المناخي، من المحتمل زيادة التأثير على عمليات التبرع بالدم؛ لذلك تقترح بعض الدراسات ضرورة أن تضع كل دولة نماذج تنبؤات لأوقات الطوارئ، حتى تستعد وتتخذ الإجراءات والاحتياطات المناسبة.
ويجب أن تعتمد الإدارة الناجحة لإمدادات الدم على توقعات كافية للتبرع والاستهلاك، مع الأخذ في الاعتبار أن عملية العرض والطلب على هذه المادة الحيوية، يمكن أن يتأثر بعوامل مختلفة؛ منها التوقيت والأحوال الجوية والأحداث الأخرى مثل الكوارث الطبيعية أو الحوادث الخطيرة أو أشهر الصيف والعطلات والسفر.
هذا بجانب مراعاة أن جميع منتجات الدم قابلة للتلف بعد فترات صلاحية ثابتة؛ لذلك فإن زيادة المعروض لن يفيد، بل سيؤدي إلى الهدر بسبب المخزون الزائد وانتهاء الصلاحية؛ ولذلك يعتبر استخلاص نموذج تنبؤ مناسب لكل دولة من أفضل الطرق لإدارة إمدادات الدم بشكل مأمون وعالي الجودة.
تحفيز المتبرعين
ويعتمد التبرع بالدم بشكل أساسي على فلسفة التطوع؛ فقد أصبحت هناك حاجة ملحة لنشر هذه الثقافة والتوعية بأهميتها عبر وسائل الإعلام، وخاصةً بين الشباب لتأسيس سلوك مستدام لديهم.
ويربط عدد متزايد من الدراسات الحديثة بين تأمين الحوافز وسلوك عودة التبرع. فعلى سبيل المثال هناك تجربة تعاوُن بين الصليب الأحمر وشركة أمازون، بعد إلغاء حملات التبرع الخارجية ونقص كميات الدم بسبب طقس الشتاء القاسي عام ٢٠٢١. ومن أجل الحث على الذهاب إلى مراكز التبرع، قدمت أمازون بطاقات هدايا بقيمة 5 دولارات لكل متبرع.
وهناك نماذج أخرى من التعاون مع الشركات ورواد الأعمال، تتمثل في استغلال مباني الشركات لاستضافة حملات التبرع، وخاصةً أثناء الأحوال الجوية غير المستقرة، وتحفيز العاملين على المشاركة.