قصة الذئب الوحيد.. كيف أنقذ فصيلة كاملة من الانقراض؟


مروة بدوي
السبت 23 سبتمبر 2023 | 04:49 مساءً

في منتصف القرن الماضي، وصلت الذئاب الرمادية إلى جزيرة صغيرة تسمى آيل رويال، على بحيرة سوبيريور شمال شرق الولايات المتحدة؛ حيث استعمر الذئاب الأوائل الجزيرة وأصبحوا المفترس الأعلى في النظام البيئي. أما الفريسة الأساسية فهي حيوان الموظ أو الألق أحد أنواع الأيائل الضخمة (ثدييات).

لكن بحلول ثمانينيات القرن المنصرم، كانت الذئاب في ورطة؛ بسبب إصابتها بعدوى فيروس بارفو الكلاب؛ ما أدى إلى انخفاض أعدادها من 50 إلى نحو 12 ذئباً. ورغم اختفاء المرض بعد فترة، فإن الذئاب لم تتعافَ سريعاً، والسبب هو زواج الأقارب الذي تسبب في انخفاض عدد المواليد، وفقدان ما يقرب من 32% من تنوعها الوراثي؛ ما أدى إلى إصابة 58% بتشوهات العظام الخلقية المسببة للألم والشلل التام أو الجزئي.

الرمادي العجوز

في عام 1997، عبر ذئب وحيد جسراً جليدياً كان يربط الجزيرة بالبر الرئيسي لكندا، حينها تغير كل شيء؛ حيث أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة ميشيغان، أن وصول هذا الذئب أعطى الذئاب الضعيفة أملاً في المستقبل، وأحيا فرصهم في التكاثر، وحافظ عليهم من الانقراض، وقدَّم لهم فرصة جديدة بعد أن تضرروا من الأمراض وزواج الأقارب. وتسبب ذلك في تأثيرات متتالية أدت إلى تحسين صحة النظام البيئي للجزيرة بوجه عام.

وتوضح الدراسة التي تغطي عقدين من عمر الجزيرة بين عامي 1997 و2018، أن هذا المهاجر الذي بات لقبه "الذئب الرمادي العجوز"، لم يكن مرتبطاً جينياً بسكان الجزيرة من الذئاب، وكان قوي البنية وكبير الحجم؛ ما يُعَد ميزة إضافية للأجيال القادمة من الذئاب، تفيد في التغلب على المنافسين والفرائس.

الذئب الرماديوقلَّل وجود الذئب العجوز مستويات زواج الأقارب، وعدَّل الخصائص الجينية للذئاب، وزاد عددهم؛ حيث أنجب 34 جرواً؛ ما أدى إلى تحسين كبير في الصحة الوراثية ومعدل قتل فرائسه.

التوازن البيئي

وقبل وصول الرمادي العجوز، شهدت الجزيرة انخفاضاً في معدلات الافتراس بسبب ضعف الذئاب؛ ما أدى إلى زيادة عدد حيوان الموظ بصفته الحيوان العاشب المهيمن على الجزيرة، الذي يستهلك ما يصل إلى 14 كيلوجراماً من النباتات يومياً؛ ما تسبب في تناقص أشجار التنوب البلسمي، التي كانت غذاء حيوان الموظ خلال فصل الشتاء، وهي نوع مهم من أشجار الغابات الشمالية الشائع استخدامه أشجاراً لأعياد الميلاد.

وبعد وصول العجوز وتحسُّن أوضاع الذئاب، عادت معدلات الافتراس إلى طبيعتها، فانخفضت أعداد الموظ، وبدأت الأشجار تنمو بمعدلات لم تشهدها الجزيرة منذ سنوات، وهو أمر حيوي لتجديد الغابة مع عدد لا يحصى من الأنواع النباتية والحيوانية التي تعتمد عليها.

وكان قدوم الذئب العجوز بمنزلة إنقاذ جيني قوي من زواج الأقارب، ومع ذلك فإن فوائد هذا الإنقاذ بدأ يتراجع بحلول عام 2008، وبعد عامين من وفاته واستئناف الذئاب زواج الأقارب – الذي تسبب مرة أخرى في ارتفاع معدل الوفيات وقلة التكاثر وانخفاض سريع في عدد الذئاب حتى عام 2015 – لم يتبقَّ سوى ذئبين فحسب.

 برنامج التطوير الذي بدأ عام 2018 أعاد التوازن إلى النظام البيئي مجدداً؛ حيث يوجد حالياً نحو 30 ذئباً وأقل من ألف حيوان موظ في الجزيرة.

أهمية الدراسة

بدورها ترى سارة هوي المؤلفة الأولى للدراسة وعالمة البيئة، أن قضايا مثل زواج الأقارب وانخفاض التنوع الجيني تشكل مصدراً لقلق كبير بين العلماء.

وقالت هوي: "هذه الدراسة هي الأولى التي تُظهر أن المشكلات الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب لا تؤثر فقط على مجموعة معينة من الحيوانات أو تزيد من خطر انقراضها، بل تلقي هذه المشكلات الوراثية بظلالها على النظام البيئي بالكامل، وخاصةً إذا كان هذا الحيوان من المفترسات العليا".

وأوضحت الدراسة كيفية تأثير العمليات الوراثية والجينية الضارة في الحيوانات الرئيسية على كفاءة النظم البيئية وعلى السلسلة الغذائية؛ حيث يؤدي انخفاض معدل الافتراس إلى زيادة المفترسات وقلة الغطاء النباتي؛ ما يفرض عواقب وخيمة على الغابات والأشجار التي توفر الغذاء والمأوى لمجموعات واسعة من أنواع الحياة البرية.

وتظل أهمية الدراسة في المبدأ نفسه؛ حيث يمكن تطبيق الفكرة الرئيسية المتمثلة في إدخال عضو جديد على أي مجموعات أخرى من الحيوانات المفترسة المعرضة للخطر، التي تعاني من الآثار الضارة الناجمة عن زواج الأقارب، مثل الأسود أو الفهود، لتحسين أنظمتها البيئية اقتداءً بالذئاب الرمادية.