يتصدر تلوث الهواء قائمة أكبر التهديدات التي تواجه الصحة العالمية، متفوقاً على التدخين ومرض سوء التغذية؛ حيث يخفض متوسط عمر الفرد بنحو 2.3 سنة، وفقاً لدراسة أمريكية نُشرت في أغسطس الماضي.
وأظهر أحدث تقرير لمعهد سياسات الطاقة بجامعة شيكاغو "EPIC" حول نوعية الهواء في العالم، أن تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة المنبعثة من المركبات والمنشآت الصناعية وحرائق الغابات، يشكل "أكبر تهديد خارجي للصحة العامة" على مستوى العالم؛ حيث ترتبط الجسيمات الدقيقة بأمراض الرئة والقلب والسكتات الدماغية والسرطان.
وبسبب تزايد الآثار الصحية الضارة، يزداد اتجاه البشر لاعتماد كمامات الوجه للحماية من الهواء الملوث في المحيط الخارجي؛ حيث يعتقد البعض أن هواء المنزل نظيف ونقي وخالٍ من الملوثات.
وبحسب التقرير ذاته، فإن الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء هي المسؤولة عن الأمراض الخطيرة، وهذه الجسيمات الصغيرة تبلغ قُطرها 2.5 ميكرون، أو المواد الطيارة المعروفة بالرذاذ؛ حيث تستطيع أن تتوغل بعمق داخل الرئة ثم تدخل في مجرى الدم.
تلوث منزلي
الأكثر قراءة
وقد تنتج هذه الجسيمات الصغيرة عن مصادر الطاقة بالمنزل أو في محيطه، ويزيد خطرها في المنازل الرديئة التهوية. ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن هناك 2.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، أغلبهم من الفئات المهمشة داخل دول منخفضة أو متوسطة الدخل، يعتمدون على طرق طهي قديمة وملوثة للهواء بسبب عدم توافر الطاقة والآليات النظيفة.
وينتج عن مواقد الطعام التي تعمل بالكيروسين أو الفحم والحطب وروث الحيوان والمخلفات الزراعية، انبعاثات لهذه الجسيمات الضارة الملوثة للهواء، ويرتفع معدل اعتماد هذه الوسائل التقليدية في الريف نحو 4 مرات أكثر من المجتمعات الحضرية، أما أكثر الفئات تعرضاً لهذه الملوثات فهم النساء والأطفال.
يتلوث الهواء بسبب المواد المحترقة في أدوات الطهي المستعملة، وتتغلغل الجسيمات الصغيرة في الرئتين؛ ما يصيب الإنسان بالتهاب الشعب الهوائية، وانخفاض قدرة كرات الدم على حمل الأوكسجين؛ ما قد يؤدي إلى وفاة 3.2 مليون شخص سنوياً؛ إذ تعود النسبة الكبرى من حالات الوفاة إلى مرض القلب الإقفاري والسكتة الدماغية. وتمثل وفيات الأطفال تحت الخامسة نحو 8% من إجمالي الوفيات.
غالباً ما يقع أعباء طهي الطعام على المرأة التي تستهلك وقتاً طويلاً في توفير الوقود؛ ما يعرض صحتها للخطر، ويقوض فرص حصولها على التعليم أو ممارسة أي نشاط مفيد.
ويأتي عدم إدخال الكهرباء في المجتمعات البعيدة عن الحضر، ليجبر العائلات على استخدام الوقود الملوث؛ للتدفئة أو الإضاءة؛ ما يضاعف المشكلة من جراء ارتفاع معدل التلوث.
ويزيد تلوث الهواء الناتج عن مواقد الطعام البسيطة من نسبة الانبعاثات الكربونية وغاز الميثان، ومن ثم يفاقم آثار التغير المناخي.
توجيهات وتوصيات
وبحسب تقرير البنك الدولي، تمثل تكلفة الآثار الصحية الناتجة عن تلوث الهواء نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي؛ أي أكثر من 8 تريليونات دولار سنوياً.
وتحدد منظمة الصحة العالمية بعض التوجيهات للتوعية من مخاطر تلوث الهواء؛ أبرزها استخدام المواقد الحديثة التي تعتمد على طاقة نظيفة أو الكهرباء، مع الاهتمام بتهوية المنازل وفتح النوافذ للتخلص من أي تلوث، إضافة إلى حماية الفئات الأكثر تعرضاً لتلوث الهواء، مثل ربات المنزل اللاتي يقضين أوقاتاً طويلة أمام المواقد.
وأوصت المنظمة الأممية بإنشاء قاعدة بيانات عالمية حول استخدام الطاقة بالمنازل، وعدد السكان المعتمدين على الوقود، والمواد الملوثة لمتابعة نسب انخفاض هذه الأعداد، وتحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة هذه البيانات ونشرها للجمهور بهدف التوعية.
كما دعت إلى ضرورة دمج موضوع الطاقة المنزلية النظيفة في كل الخطط الصحية والمبادرات الخاصة بتلوث الهواء والتغيرات المناخية؛ لأنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة؛ من أجل خلق مجتمعات مستدامة وصحية.