تبحث الكائنات الحية عن ملاذ آمن هرباً من الأنشطة الإنسانية الهدامة التي تعرضها للهلاك؛ إذ وصل الحال إلى أعماق المحيطات وتسبب في قلق للحياة البحرية.
ووصل النشاط البشري إلى إحداث ضوضاء في المحيطات؛ ما يعرقل قدرة الحيوانات البحرية على سماع الأصوات الطبيعية في المحيط، ويُحدث تغييرات في النظم البيئية بما في ذلك البيئة الصوتية، خاصة أن إزعاج البشر تزايد على مر السنين، وفق موقع Tree Hugger.
ويحجب هذا الضجيج الاتصال بين الحيوانات المائية، ويقلل من قدرتها على العثور على فرائسها، كما أن انتباهها إلى الحيوانات المفترسة يتشتت، فيفوت عليها فرصة الاختباء منها قبل أن تجدها؛ ما ينتج عنه نفوق العديد من الكائنات البحرية النادرة إذا لم يتم التحكم بالأمر قبل فوات الأوان.
كما تؤدي الضوضاء إلى التشويش على الحيوانات وإلى انحرافها عن مسارات الهجرة من مكان إلى آخر؛ بسبب عدم القدرة على تحديد المكان المرجو بسبب الأصوات المزعجة.
الكائنات البحرية
الأكثر قراءة
وتعد الثدييات البحرية أكثر الكائنات التي تعاني في أعماق البحار؛ لاعتمادها بشكل كبير على الأصوات لإيجاد الطعام والتواصل مع الكائنات الأخرى والتحرك من مكان إلى آخر؛ لذا تؤثر الضوضاء المستمرة على سلوكها، وتسبب الإجهاد أو الإصابة أو حتى الموت؛ لأن قدرتها السمعية لن تتحمل الترددات الصوتية؛ حيث رصد العلماء في البيئة البحرية ضعف جهاز المناعة والاضطرابات السلوكية، بحسب موقع "Treehugger".
ويجري نقل نحو 90٪ من البضائع المتداولة في العالم عبر النقل البحري الذي يعد وسيلة النقل الرئيسية للتجارة العالمية، والذي يساهم في الوقت نفسه بـ2.9٪ من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ورغم ذلك يزداد الطلب على عمليات الشحن عالمياً؛ فمن المتوقع أن يتضاعف حجم التجارة البحرية ثلاث مرات بحلول عام 2050؛ ما يفاقم من الأعباء الكربونية، نقلاً عن "OECD".
وبين نحو 58 ألف سفينة تجارية حول العالم تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة، احتلت سفن الشحن من طراز Ro-Ro ما يقرب من 31٪ من الأسطول التجاري العالمي، وفق إحصائيات Statista في 2022.
وبحسب تقديرات عام 2020، تطلق ناقلات البضائع السائبة في المتوسط 440 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، بينما تطلق سفن الحاويات 140 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
المسح الزلزالي
ويهدف المسح الزلزالي، الذي يعد أحد أشكال المسح الجيوفيزيائي، إلى قياس خصائص الأرض بالاعتماد على المبادئ الفيزيائية، مثل النظريات المغناطيسية والكهربائية والجاذبية والحرارية؛ لمعرفة حدوث موجات زلزالية من عدمه أو قياس قوة الزلزال عند حدوثه، نقلاً عن "Park Seismic".
ومن خلال عملية قياس دقيقة، تبين أن عمليات المسح الزلزالي تُصدر صوتاً كل 10 ثوانٍ ويمكن أن ترتفع مستويات الضوضاء 100 مرة لأيام متتالية في نطاق 300 ألف كيلومتر مربع.
وأكد باحثون أن هناك أكثر من 20 سفينة مسح زلزالي نشطة في جميع أنحاء العالم تستخدم لإجراء مسوحات من أجل صناعة النفط والغاز في اليوم الواحد.
ورغم أن المسح الزلزالي مفيد للبشرية، فإنه يقتل الحياة البحرية بشكل مباشر، ويسبب مشاكل صحية غير مرئية لحيوانات عدة، مثل الحبار العملاق.
الأصوات النبضية
وهناك مصدر آخر من مصادر التلوث الضوضائي، وهو "الأصوات النبضية"، وهي أصوات مفاجئة وقصيرة المدى تكون عادةً مرتفعة، وتتراوح بين الترددات المنخفضة والعالية، وتستخدم بشكل عام في البناء أو الهندسة المدنية البحرية؛ حيث يمكن أن يصل الصوت إلى 100 كيلوهرتز، ويمكن أن يتكرر كل 10 ثوانٍ إلى 15 ثانية.
وتقنية السونار، التي تعتمد عليها الجيوش اعتماداً كبيراً، تعمل على اكتشاف ما يوجد أسفل مياه المحيطات، وتُدرج تحت الأصوات النبضية. وهذه الأصوات تُولد ما بين 100 و500 هرتز، وتعتمد عليها الجيوش بشكل كبير.
كما تنتج أجهزة الردع الصوتية صوتاً عالياً يستخدم لتقليل الصيد العرضي، وهو مصطلح يشير إلى اصطياد الأسماك دون قصد أثناء استهداف أنواع أخرى؛ إذ تصدر هذه الأجهزة نبضات صوتية عالية التردد، ويمكن استخدامها لردع الحوتيات من الاقتراب من معدات الصيد أو لإبعادها عن مزارع الأسماك، وتنتج أصواتاً مزعجة بتردد يتراوح بين 5 و160 هرتز.
أما المتفجرات البحرية فتطلق أعلى مستوى من الضوضاء، ويمكن استخدام المتفجرات التي يمكن التحكم بها في مشاريع البناء تحت الماء، كهدم الهياكل القديمة المتمثلة في الجسور أو العوائق تحت الماء، كما يجري الاعتماد عليها في الأغراض العسكرية في الحروب البحرية وعمليات الدفاع، وتسبب ضرراً طويل المدى للحياة البحرية.
العسل من السم
وتعتمد العديد من أنواع الحياة البحرية، على الضوضاء وسيلة للبقاء على قيد الحياة؛ إذ تستخدم النداءات أثناء الإنجاب أو التبويض، كما تتبع يرقات الأسماك الصوت للعثور على مكان للاستقرار.
وقام باحثون بدراسة الحيتان الحدباء، التي توجد في حديقة جلاسير باي الوطنية بالولايات المتحدة، واستطاعوا توثيق تأثيرات التعرض العالي للضوضاء من السفن السياحية، واتضح أن هناك منافسة بحرية تحدث بين الحيتان والسفن، أي زادت الحيتان من سعة صوتها بمقدار 0.8 ديسيبل مع كل زيادة بمقدار 1.0 ديسيبل في الضوضاء المحيطة.
أما الأسماك فتسمع بشكل أفضل الترددات من 30 إلى 1000 هرتز، وعند مراقبتها تأكد للباحثين أن العديد من الأنواع تعتمد على الصوت لتوجيه نفسها، وأظهرت نتائج الدراسات أيضاً أن سمكة الدامسل التي كانت معرضة للضوضاء الاصطناعية أصبحت تنجذب بشكل واضح إلى الضوضاء، بينما تجنبت الشعاب المرجانية الضوضاء الاصطناعية، ومن ثم لم تتكيف معها مقارنة بسمكة الدامسل.
وأكد كارلوس م. دوارتي عالم المحيطات البيولوجي وعالم البيئة البحرية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في السعودية، ضرورة وضع معالجة الضوضاء البحرية بين الأولويات، عند محاولة تخفيف أثر الأنشطة البشرية الضارة على الأرض.
وقالت كاثي ميتكالف رئيسة غرفة الشحن الأمريكية، إن 85٪ من ضوضاء الشحن تأتي من المراوح، ومن ثم فإن إعادة تصميم مراوح السفن وتركيب ستائر صوتية لخفض مستوى الضوضاء الناتجة عن الأنشطة البشرية، من أكثر الحلول الفعالة.
كما أكد الباحثون أن توجيه مسار السفن بعيداً عن المناطق الحساسة في النظام البيئي البحري، يمكن أن يقلل أيضاً من تأثير الضوضاء بشكل كبير، نقلاً عن "Scientific American".