رغم جهود التكيف مع آثار تغير المناخ، يواجه العراق أزمة في تراجع محصول "أرز العنبر" الذي يُعد الأفضل والأكثر إنتاجاً في البلاد.
ويُعَد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضةً لآثار التغير المناخي في العالم؛ إذ يُؤثِّر التصحُّر على 39% من أراضيه؛ نظراً إلى ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية والجفاف.
كما انخفض هطول الأمطار في السنوات الأخيرة، وجفَّت الأنهار؛ ما أدى إلى تلف ما يعادل 2500 متر مربع من الأراضي الزراعية.
الأكثر قراءة
أرز العنبر
ويُشتهر العراق بـ"أرز العنبر" الذي يُعَد نوعاً فاخراً من الأرز، وعنصراً أساسياً على موائد العراقيين، وجزءاً من الهوية المحلية.
ويُزرَع أكثر من 70% من محصول أرز العنبر في محافظتَي الديوانية والنجف المتجاورتَين. ويُشكِّل هذا النوع أكثر من ثلث إجمالي محصول الأرز المزروع بالعراق، الذي يبلغ 100 ألف طن سنوياً، بحسب موقع "Phys.org".
وضمَّت تداعيات تغيُّر المناخ، الأرز الشهير بالعراق إلى قائمة الضحايا؛ حيث تمر البلاد بأسوأ موجة حر منذ عقود، وتنخفض مستويات المياه في نهرَي دجلة والفرات.
وتتطلَّب زراعة "أرز العنبر"، التي تستمر عادةً من نهاية يونيو إلى أكتوبر، بقاء الأرز مغموراً بالمياه طوال فصل الصيف.
وفي عام 2021، اتخذت وزارة الزراعة العراقية قراراً بمنع معظم زراعة الأرز، في محاولةٍ للحفاظ على المياه؛ إذ قال حكيم الخزرجي معاون مدير دائرة زراعة النجف: "بسبب انخفاض كميات المياه الواردة من الدول المجاورة وندرة الأمطار، اضطررنا إلى تقليل مساحات زراعة أرز العنبر".
وتُغطِّي حقول الأرز أكثر من 21 ميلاً مربعاً في محافظة النجف. وأشار الخزرجي آنذاك إلى أن نسبة الأراضي التي يجري رعايتها رسمياً حالياً تقل عن 2%؛ بهدف الحفاظ على البذور وحماية هذا النوع الفريد من الأرز من الانقراض وليس الإنتاج، بحسب موقع "The Washington Post".
صعوبات مناخية
بدوره أعرب رياض الغزالي أحد زعماء القبائل في منطقة القادسية (جنوب وسط)، عن قلقه حيال ما آل إليه العراق، قائلاً: "نعيش هنا منذ أجيال، وكانت هذه المناطق عبارة عن أهوار مملوءة بالمياه، وأراضي خصبة.. كنا نزرع طوال العام، لكنها تحولت إلى صحراء"، وفق ما أورده موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر "ICRC".
وتُعرَف الأهوار بنوع من أنواع الأراضي الرطبة التي تغطيها المياه لفترات طويلة من الزمن، وتنمو فيها بعض النباتات العشبية، بحسب موقع "National Geographic".
وتعمل اللجنة الدولية، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر العراقي، على تخفيف آثار تغير المناخ، من خلال إعادة تأهيل ومعالجة محطات ضخ المياه وشبكات الأنابيب وأنظمة الري، بجانب دعم مئات المزارعين بالمساعدات النقدية.
فيما أصبح رياض عبد الأمير (53 عاماً) عاطلاً عن العمل بسبب منع زراعة "أرز العنبر"، قائلاً: "كنا نتمتع باكتفاء ذاتي اقتصادي جيد جداً، ولم نكن نهتم بالتغيرات السياسية أو ارتفاع سعر صرف الدولار.. كان العنبر عملتنا، لكني الآن لا أستطيع تغطية نفقات منزلي".
وأضاف عبد الأمير لـ"جرين بالعربي": "مدينة المشخاب (تُلقَّب بمدينة العنبر) تعيش حقبة لم تشهدها من قبل"، معبراً عن ذلك بقوله: "لا أستطيع حتى أن أسميه موتاً بطيئاً، بل هو موت سريع، وليس لدينا حلول بديلة".
ومن جانبه، أكد مثنى السلامي الباحث الاجتماعي، أنه حتى وقت قريب، كان أرز العنبر عنصراً أساسياً على كل الموائد، بجانب تصديره إلى جميع أنحاء المنطقة. أما الآن فقد اضطر السكان المحليون للجوء إلى الأصناف المستوردة الأكثر تكلفةً من الهند وإيران.
سوق سوداء
ومع اختفاء أرز العنبر، ظهرت السوق السوداء؛ إذ قال تاجر محلي يُدعى حسين علي: "السؤال الآن عن الأرز يشبه المخدرات؛ فهناك من يزرعه سراً ويبيعه سراً، لكن بكميات محدودة جداً".
فيما سرد مهند سريع صاحب مطحنة أرز كيف بات المزارعون يشعرون بالإرهاق واليأس، بعد أن فقدوا مصدر دخلهم بشكل مؤلم، واضطروا إلى ترك أراضيهم والهجرة إلى المناطق الحضرية بحثاً عن مصدر دخل بديل.
وأضاف سريع: "الأراضي المخصصة لزراعة الأرز في النجف انخفضت من 230 ألف دونم إلى 5000–6000 دونم، كما أن معظم ما يُزرع الآن ليس أرز العنبر؛ لأنه يحتاج إلى الكثير من الماء".