صدفة تخدم التنوع البيولوجي.. ماذا رصدت محطات قياس تلوث الهواء؟


فيروز ياسر
الاربعاء 06 سبتمبر 2023 | 04:45 مساءً

لا يوجد وسيط يحيى عليه الإنسان أهم من الهواء، فهو مصدر الأكسجين، وهو ناقل الحرارة والبرودة، وبتلوثه تفسد البيئة كلها، والأكثر تأثيراً وأهمية اليوم، هو ارتباطه بشكل وثيق بتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومع تداعي الظاهرة العالمية التي تضرب كافة مناحي الحياة، توصل علماء لفائدة غير متوقعة لإحدى طرق للحفاظ على نقاء الأجواء المحيطة بنا.

في اليوم الدولي لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء الذي خصصت الأمم المتحدة له يوم الـ7 من سبتمبر من كل عام، نستعرض إنجازًا بحثيًا كشف عن ميزة بيئية مزدوجة يمكن تنفيذها من خلال محطات مراقبة الهواء.

صدفة في خدمة البيئة

على مدى عقود طويلة، حاول العلماء تتبع التنوع البيولوجي للطيور والحيوانات حول العالم لكنه كان تحدياً كبيراً نتيجة البيانات غير المنتظمة التي يجري جمعها، ولا يتم مشاركة أغلبها علناً، وعن طريق الصدفة وبطريقة مُلهمة لكل المهتمين بهذا المجال ظهرت وسيلة لرصد التنوع البيولوجي بدقة لم يدركها أحد من قبل.

اكتشف الباحثون أن المرشحات المستخدمة لرصد تلوث الهواء تلتقط كميات كبيرة من الحمض النووي للحيوانات والطيور والنباتات عن غير قصد، وبالتالي فإنها تساهم الآن في فهم التغييرات في الماضي وكذلك المستقبل.

شبكات جودة الهواء الحالية والقائمة يمكن أن تكون مصدراً ضخماً غير مستغل لبيانات التنوع البيولوجي، وفقاً لأندرو براون، العالِم الرئيسي في المختبر الفيزيائي الوطني الذي يدير شبكات وكالة البيئة في المملكة المتحدة، حيث تجمع البيانات على أساس يومي أو أسبوعي بطريقة منظمة.

محطات مراقبة الهواء ترصد التنوع البيولوجي

علماء كنديون وبريطانيون أجروا دراسة جديدة لمعرفة مدى فعالية المحطات المُراقبة لجودة الهواء في التقاط الحمض النووي من الكائنات الحية ورصد التغيرات التي تطرأ على التنوع البيولوجي، إذ يمكن للبيانات التي يحصلون عليها يمكنها تغيير كل ما يتعلق بالتنوع البيولوجي بجميع أنحاء العالم.

نجح الباحثون في استخلاص الحمض النووي البيئي من أكثر من 180 نوعاً من النباتات والفطريات، والحشرات، والثدييات، والبرمائيات من خلال مرشحات جودة الهواء الموجودة في اسكتلندا ولندن في فترات ما بين سبتمبر إلى أكتوبر عام 2021 وما بين أبريل ومايو خلال 2022، وبالتالي أصبحت البنية التحتية لمراقبة الهواء فرصة هائلة لجمع بيانات عالية الدقة عن التنوع البيولوجي، وفقاً للمجلة العلمية "علم الأحياء الحالي".

جوان ليتلفير المشاركة في الدراسة والمُحاضرة في العلوم البيولوجية بجامعة "كوين ماري" بلندن قالت لـ"بي بي سي" إنهم تفاجأوا بالتعرف على التنوع البيولوجي لأكثر من 180 نوعًا من خلال الحمض النووي الذي تساقط في شكل خلايا جلدية، وشعر، وقطرات لعاب، وفضلات ومن خلال أداتين فقط لمراقبة جودة الهواء، والحمض النووي الذي جمعوه يعود لكائنات محلية من داخل القارة، حيث حللوا المواد الأولية وطابقوا نتائجهم مرة أخرى مع مكتبات مرجعية عبر الإنترنت.

إليزابيث كلير، الكاتبة الرئيسية للدراسة والأستاذ المساعد في علم البيئة الجزيئية بجامعة "يورك" الكندية قالت إن النتائج تُظهر أنه يمكن تسخير البنية التحتية الحالية لأبحاث التنوع البيولوجي.

شبكات جودة الهواء الحالية والقائمة يمكن أن تكون مصدراً ضخماً غير مستغل لبيانات التنوع البيولوجي، وفقاً لأندرو براون، العالِم الرئيسي في المختبر الفيزيائي الوطني الذي يدير شبكات وكالة البيئة في المملكة المتحدة، حيث تجمع البيانات على أساس يومي أو أسبوعي بطريقة منظمة.

مشهد كامل يعكس التنوع البيولوجي

مارك ماكولي الباحث في جامعة فلوريدا، أشار إلى أن مرشحات الهواء تسمح للمياه بتحليل كيفية حدوث التغييرات في الكائنات المُراد مراقبتها بمختلف الأماكن والأزمنة.

أما "كلير" فكشفت عن أن المراقبة المنتظمة التي توفرها مرشحات الهواء، والتي لم يسمع بها من قبل في علم التنوع البيولوجي، فكرة ضرورية لفهم التغيرات التي تطرأ على الأنواع؛ لأنها تمكن العلماء من دراسة ديناميكيات مجموعات الحيوانات ومعرفة التطورات التي تحدث بمرور الوقت.

مثل هذه القياسات المتكررة يمكنها أن تقدم صورة كاملة لما يحدث في المنطقة، وفقاً لما أكدته "كلير" حيث يمكن اكتشاف هجرة مجموعة معينة من الطيور والحيوانات أو وصول نوع جديد بسبب التغيرات المناخية.

مشكلات مراقبة الطيور والحيوانات

المشكلة الحالية التي يواجهها العلماء كما تقول " ليتلفير" هو أنه لا توجد طريقة دقيقة ومنظمة، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال تُجمع البيانات بواسطة العلماء الهواة غير المختصين بعد مراقبة الكائنات، وأغلبهم يرصدون الفراشات والطيور، لكن الأنواع الأخرى كالفطريات والحيوانات الليلية يصعب التعرف على التغييرات التي تحدث لها.

بالنسبة للحمض النووي الذي التقطته مرشحات جودة الهواء فإنه يساعد في البحث عن أي صنف من الكائنات الحية.

الحمض النووي المحمول جواً أداة مفيدة للعلماء

الباحثة "كلير" أجرت دراسة سابقة مع علماء آخرين عام 2022 داخل حديقة الحيوان لمعرفة ما يحمله الهواء من الحمض النووي البيئي لتحديد الحيوانات المقيمة هناك، وبالفعل قاموا بتحليل الحمض الذي أسقطته الحيوانات عن طريق التنفس واللعاب والفراء، وتمكنوا من اكتشاف 49 نوعاً من الفقاريات في حديقة حيوان كوبنهاغن.

رغم كل الإيجابيات التي تحملها مرشحات الهواء في التقاط الحمض النووي للكائنات الحية، لكن قال ماتياس أوبست، الأستاذ المساعد بجامعة جوتنبرج في السويد، أشار إلى بعض السلبيات التي تحملها، إذ يمكن التقاط حمض نووي لطائر مار وليس مقيم بالمنطقة المراد رصد التنوع البيولوجي فيها.

من ناحية أخرى، قالت كلير إن هذه الدراسة تحفز البلدان على إنشاء محطات لرصد جودة الهواء في مواقع جديدة ذات أهمية بيئية للحفاظ على الحمض النووي وكذلك أرشفته، فمن قبل كان يتم التخلص من الحمض النووي المُلتقط بالمرشحات على الفور دون معرفة القيمة البيئية له، واصفة إياه بـ"الكنز".