سواء بحضور المباريات أو من خلف الشاشات، يجتمع الملايين من سكان العالم على عشق الساحرة المستديرة.
وبحسب الموقع الرسمي للاتحاد العالمي لكرة القدم "فيفا"، يُقدِّر عدد مُشجِّعي كرة القدم حول العالم بـ5 مليارات شخص؛ أي ما يزيد عن نصف سكان كوكب الأرض؛ أغلبهم من أمريكا الجنوبية، ومنطقة الشرق الأوسط، وقارة إفريقيا.
ويفتح هذا العدد الضخم شهية المهتمين بآثار التغيرات المناخية؛ فمن المؤكد أن دعوة تلك الجماهير إلى اتباع عادات صديقة للبيئة قد تجني ثماراً طيبة في خفض انبعاثات غازات الدفيئة.
كرة القدم والمناخ
في المملكة المتحدة، بادر إليوت أرثر وارسوب – وهو أحد مشجعي نادي برايتون – في تكوين مؤسسة تجمع بين الكرة ومواجهة أزمة المناخ، باسم "Football for Future" لنشر الثقافة البيئية بين المشجعين والعاملين في الصناعة.
وعُقدت إحدى الورش التدريبية التي قدَّمتها المؤسسة في العاصمة القطرية الدوحة، قبل أسبوع من انطلاق كأس العالم 2022، وحضرها عدد من شباب المشجعين القادمين من دول مختلفة.
وأجرت "جرين بالعربي" مقابلة مع المؤسس المشارك للمؤسسة البريطانية بارني ويستون حول كيفية استغلال انتشار شعبية كرة القدم لحماية البيئة.
وقال ويستون إن النفوذ الاجتماعي الذي تتمتع به كرة القدم في العالم، يمكن استخدامه في مناصرة قضايا اجتماعية أخرى؛ فعلى سبيل المثال، ساهمت الحملة التي أطلقها اللاعب الإنجليزي ماركوس راشفورد في مواجهة الفقر، وكذلك مؤسسة Kick it out البريطانية التي تحارب العنصرية في عالم كرة القدم وغيرها.
جانب من ورش المؤسسة
وأضاف: "تعمل المؤسسة في اتجاهين: الأول– نشر التوعية بالعلاقة بين كرة القدم والتغيرات المناخية عبر ورش تدريبية لكافة الفئات العمرية عبر الأندية والأكاديميات والمدارس. والثاني– يشمل دعم المؤسسات الرياضية لتصبح أنشطتها أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية من خلال قياس البصمة الكربونية، وإعداد استراتيجية لتقليلها، وتشجيع الأندية واللاعبين على القيام بمهامهم بشأن التغيرات المناخية، علاوةً على التواصل مع المشجعين".
ولم تَكتفِ المؤسسة بالعمل مع الأندية، بل تعاونت كذلك مع عدد من العلامات التجارية الخاصة بالأحذية الرياضية.
ويعتقد ويستون أن النسبة الكبرى من البصمة الكربونية لكرة القدم تنتج من حركة السفر، بما في ذلك المشجعون، لكنه يرى عدم تحميل المسؤولية للجماهير؛ لأن الأندية لا بد أن تقوم بمهمتها.
جانب من ورش المؤسسة
كما أشار إلى أن نحو 25% من ملاعب الأندية الإنجليزية لكرة القدم للرجال قد تغرق بحلول عام 2050، بسبب تأثيرات التغيرات المناخية.
ووفق ما رآه ويستون يمكن لكرة القدم أن تتخذ موقع الريادة في تطبيق تكنولوجيات ومنهجيات جديدة تُلهِم غالبية سكان العالم للاندماج في الحوار المناخي؛ نظراً إلى شعبيتها الطاغية.
ويقول: "التوعية لا بد أن تُجرَى بعيداً عن الطرق النمطية المملة، مثل الحديث عن الدببة القطبية؛ فمثلاً قد لا تغمر المياه أندية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكنها ستصبح أكثر عرضةً للحرارة المتطرفة".
وتابع: "كأس العالم 2022 جرى تأجيلها بفعل الحرارة المرتفعة، وسيكون الأمر محبطاً إذا أصبحت المنطقة غير صالحة للعب كرة القدم خلال فصل الصيف، ومن ثم لا بد من إنشاء بنية تحتية للتكيُّف مع هذا الأمر".
جانب من ورش المؤسسة
مبادرة شبابية
وفي مدينة بريستول البريطانية، بدأت رحلة كاتي كريس مع كرة القدم وهي في أواخر العشرينيات من عمرها، بالانضمام إلى دوري محلي غير رسمي يقبل السيدات من عمر الـ18 إلى 80 عاماً.
كريس، التي درست علم الأحياء خلال المرحلة الجامعية، وعملت مدرسة للعلوم لفترة من الزمن، حاولت في البداية نشر اهتمامها بالتغيرات المناخية والعادات التي يمكن أن تساهم في تقليل الانبعاثات بين زميلاتها في الفريق.
محاولاتها انتهت إلى تأسيس منظمة فريدة من نوعها، أطلقت عليها اسم "Pledge ball"، وهي منصة لدعم مشجعي كرة القدم تحديداً لتقليل الانبعاثات الناتجة عن أنشطتهم لكن بطريقة مبتكرة.
كرة القدم
فكرة “Pledge ball” تعتمد على أن يزور المشجع موقع المؤسسة، ويختار العادات الصديقة للبيئة التي ينوي الالتزام بها، كما أن عليه اختيار اسم النادي الذي يدعمه، والموجود في قائمة تضم عدداً كبيراً من الفرق الكروية.
وتتنوع تلك العادات بين زراعة الأشجار، واتباع النظام الغذائي النباتي ليومين خلال الأسبوع، وتركيب ألواح شمسية لتوليد الكهرباء وغيرها؛ وذلك على أن يتصدر الفريق الذي نجح مُشجِّعوه في منع الكمية الأكبر من الانبعاثات جدول الفرق.
وبحسب الموقع الرسمي للمؤسسة، يُقدَّر حجم الانبعاثات التي تعهَّد المشاركون بوقفها بما يزيد عن 22 مليون كجم من ثاني أكسيد الكربون سنوياً؛ ما يعادل اختفاء ما يقرب من 5 آلاف سيارة من الطرق.
تصرفات صديقة للبيئة
أما المبادرة التي أطلقتها Sky Group – وهي إحدى شركات الإعلام والترفيه الرائدة في أوروبا – من أجل الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2030، فلم تقتصر على كرة القدم فحسب.
بالتعاون مع عدد من المؤسسات، سجَّلت الحملة خلال صيف 2022، 1.7 مليون تصرُّف صديق للبيئة قام به المُشجِّعون داخل الملاعب الرياضية وخارجها.
النسبة الكبرى من هذه الممارسات بواقع 1.25 مليون تصرُّف، كان إحضار زجاجات يُعَاد استخدامها إلى الفعاليات الرياضية، علاوة على إعادة تدوير النفايات التي تركوها.
خلال النسخة الـ150 من بطولة بريطانيا المفتوحة العام الماضي، استخدم 65% من الحاضرين الزجاجات المعاد استخدامها، ولجؤوا إلى إعادة تعبئتها من خلال محطات تعبئة المياه.
وفي فعاليات Magic Weekend التي شهدها ملعب جيمس بارك لكرة القدم، نجحت المبادرة في إقناع الجماهير باستخدام أكواب ورقية قابلة للتحلل والتسميد، بدلاً من الأكواب البلاستيكية.
وهناك ممارسات أخرى باستخدام وسائل نقل أقل ضرراً على البيئة عند الذهاب إلى الفعاليات الرياضية، علاوة على اختيار وجبات نباتية بدلاً من اللحوم عند اختيار الوجبات التي يجري تناولها في أيام المباريات، كما أتاحت الحملة للمشجعين قطع تعهُّدات على أنفسهم على موقعها.