بينما تعاني أعداد كبيرة من سكان العالم من آثار التدهور البيئي الذي غالباً ما يحدث بسبب ممارسات بشرية خاطئة، تظهر الأعمال الإنسانية كطوق نجاة يتعلق به المتضررون يحاولون من خلاله العبور إلى بر الأمان. وخصصت الأمم المتحدة يوم 19 أغسطس ليكون يوماً عالمياً للعمل الإنساني، تكريماً للعاملين في المجال.
الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية، وما يتبعها من آثار مدمرة تزيد عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية؛ ففي 2022 وحدها، وصل عدد المتضررين من الكوارث الطبيعية 185 مليون شخص حول العالم، فيما تخطت عدد حالات الوفاة 30 ألف شخص، حسبما نقل موقع Relief Web.
وفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر، سيحتاج 200 مليون شخص سنوياً إلى مساعدات سنوية بحلول 2050 بسبب آثار أزمة المناخ.
وبحلول التاريخ نفسه، سينضم 80 مليون إنسان إلى قائمة ضحايا الجوع، إذا ما وصل معدل زيادة درجة حرارة الأرض إلى درجتين، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.
العمل الإنساني ركيزة أساسية في مواجهة التغير المناخي
انبعاثات الأنشطة الإنسانية
لكن المساعدات الإنسانية التي لا يمكن الاستغناء عنها لها كذلك بصمة كربونية تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن بينها الحاجة إلى استخدام وسائل نقل، وتعبئة الطعام، ومن هنا ظهرت محاولات عديدة لمحاولة الوصول إلى ممارسات إنسانية مستدامة.
في عام 2021، نشرت منظمة The New Humanitarian نتائج تحقيق أجرته حول الأثر البيئي لعمل 24 منظمة دولية تعمل في مجال المساعدات الإنسانية، ومنها 10 وكالات تابعة للأمم المتحدة.
التغير المناخي يفاقم عدد من يحتاجون مساعدات إنسانية
التقرير كشف عن غياب نظام موحد يمكن من خلاله قياس الانبعاثات التي تتسبب بها أنشطة تلك المنظمات، وأن ما يزيد عن 50% منها لا تقوم بحساب إجمالي البصمة الكربونية لها، في وقت تمثل فيه الانبعاثات غير المباشرة أكثر من نصف الانبعاثات التي تسببها كل منظمة.
على سبيل المثال، اشترى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة كميات من زيت النخيل تقدر بأكثر من 41 مليون دولار في عام واحد، لاستخدامها في المساعدات الغذائية المقدمة لعدة دول مثل أفغانستان، وتوجو، والصومال، وهي مناطق تعاني بالفعل من أثر التغيرات المناخية.
تعويضات الكربون وهو مصطلح يشير إلى القيام بأنشطة لإزالة كميات من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي تعادل الكمية التي تسببت بها المنظمة، لكن هذه الطريقة ليست كافية لحماية البيئة، وفقاً للعديد من الخبراء
ودائماً ما يرتبط إنتاج زيت النخيل بتدمير الغابات التي تُزال من أجل إفساح الطريق أمام مزارعه، كما يرتبط بتفاقم النزاع على الأراضي، وتهجير السكان الأصليين، وفقدان التنوع البيولوجي.
مشكلة أخرى يواجهها قطاع العمل الإنساني وهي التكلفة البيئية للنقل؛ فعلى سبيل المثال تصدرت رحلات الطيران قائمة انبعاثات الوكالات الأممية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، علاوة على أزمة التعبئة، وإدارة المخلفات التي تتجاهل العديد من المؤسسات احتسابها.
المساعدات الإنسانية
رغم ذلك، فإن ما يقرب من 10 منظمات شملها التقرير أعلنت التزامها بخفض الانبعاثات بنسب تصل إلى 50% بحلول عام 2050، كما تعتمد عدد منها على تعويضات الكربون وهو مصطلح يشير إلى القيام بأنشطة لإزالة كميات من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي تعادل الكمية التي تسببت بها المنظمة، لكن هذه الطريقة ليست كافية لحماية البيئة، وفقاً للعديد من الخبراء.
تقرير آخر لشبكة جنيف للبيئة، وهي شبكة مكونة من 72 منظمة تقودها الأمم المتحدة، رصد مساهمة المنظمات الإنسانية في التلوث البلاستيكي الذي يعانيه العالم، مع عدم توافر بيانات واضحة لتقييم حجم الأزمة.
محاولات نحو طريق الاستدامة
في 2021، عقد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة شراكة مع إحدى الشركات الرائدة في مجال التعبئة الصديقة للبيئة، وهي الشراكة التي نجحت في تطوير مواد تعبئة ورقية يمكن إعادة تدويرها تدويراً كاملاً، وتتمتع في الوقت نفسه بدرجة كافية من المتانة لحفظ الطعام.
المساعدات الإنسانية
ونقل تقرير نشره الموقع الرسمي للبرنامج في 2022 أمثلة عن الجهود التي تقوم بها فروعه المختلفة لتقليل الأثر البيئي لعملها؛ ففي كينيا على سبيل المثال، نجح المكتب التابع للبرنامج في إعادة تدوير ما يزيد عن مليون حقيبة من حقائب التعبئة، وفي إثيوبيا جرى إعادة تدوير 9 آلاف لوح يجري استخدامه في عمليات النقل.
إيمانويلا كاتينوي المستشارة البيئية للبرنامج في نيروبي تشير إلى أزمة أخرى، وهي أن المجتمعات التي يجري فيها توزيع تلك المساعدات، عادة ما تفتقد إلى أي أدوات تمكن المستفيدين من إعادة تدويرها، وهو ما يعمل البرنامج بالفعل على تغييره.
مبادرة مشتركة
وهناك المبادرة المشتركة لإدارة نفايات التعبئة والتغليف لأغراض المساعدة الإنسانية المستدامة، وهي مبادرة تضم وكالات أممية وجمعيات الصليب والهلال الأحمر، ومنظمات غير حكومية أخرى، وتمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID".
وتعمل المبادرة على دعم مجتمع العمل الإنساني لمواجهة أزمة المخلفات، سواء في المراحل الأولى من العمل من خلال إرشادات لتقليل الحاجة إلى التعبئة، أو في المراحل اللاحقة بشأن إعادة استخدام تلك المواد مجدداً، وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري.
وبالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، أطلقت المبادرة أداة بسيطة تمكن المنظمات من مراقبة طريقة استخدامها للعبوات بانتظام، ضمن إعدادها تقريراً أصدرته، في مايو الماضي، جمعت فيه بيانات من 13 منظمة وزعت ما يزيد عن 6 ملايين طن متري من المواد الغذائية، وغير الغذائية في عام 2021.
التقرير كشف أن البلاستيك يمثل 32% من إجمالي وزن مواد التعبئة الأولية والثانوية، في الوقت الذي يؤدي فيه التحكم في الوزن إلى تقليل كمية المخلفات، وزيادة كفاءة عمليات النقل.