بمظهرهم غير المألوف، وملابسهم الزاهية الألوان، دائماً ما يلفت ممثلو السكان الأصليين الأنظار في المحافل الدولية التي يشاركون فيها، أملاً في إيصال صوت مشكلاتهم التي لا تؤثر عليهم فحسب، بل على العالم. وخصَّصت الأمم المتحدة يوم الـ9 من أغسطس ليكون يوماً عالمياً لهم.
العلاقة الوثيقة مع الأرض هي السمة الأساسية التي تُميِّز الشعوب الأصلية عن غيرهم؛ إذ تجمعهم روابط ثقافية خاصة بهم تتناقلها الأجيال السابقة، وما زال الأحفاد يتمسكون بها حتى يومنا هذا.
عدد هؤلاء الأحفاد اليوم يلامس 476 مليون شخص، بنسبة تتخطى 6% من سكان العالم؛ إذ يعيشون على أراضي أكثر من 90 دولة، وترتبط موارد عيشهم بأنشطة تقليدية كالصيد، والجمع، والزراعة المتنقلة، وغيرها، وفقاً للأمم المتحدة.
أنشطة الزراعة
هذا العدد القليل نسبياً من السكان يعيشون على مساحة تمثل 25% من اليابسة، فوق الجبال، وبين أشجار الغابات، وعلى جزر تحيطها المياه من كل اتجاه؛ أي مناطق معرضة لأخطار بيئية جمَّة، كذوبان الجليد، وارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف، أو كسرقة أراضيهم لاستغلالها في عمليات إزالة الغابات، والتعدين غير القانوني.
على سبيل المثال، تشير الأمم المتحدة إلى التهديدات التي يتعرَّض لها سكان جبال الهيمالايا إثر ذوبان الأنهار الجليدية، الذي يزيد من كميات المياه على المدى القصير، بل يؤدي إلى تراجعها على المدى الطويل.
أزمة تمويل
في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى زيادة حجم التمويل إلى تريليونات الدولارات لمواجهة أزمة المناخ، لا زال هناك عقبات في تقديم الدعم الكافي للشعوب الأصلية.
السكان الأصليين
اثنتان من المؤسسات غير الربحية المعنية بحقوق السكان الأصليين، كشفتا في دراسة كيف تضيع النسبة الكبرى من الأموال الممنوحة لتلك الفئة دون تحقيق فائدة ملموسة.
الدراسة التي أجرتها مؤسسة Rights and Resources Intiative ومؤسسة Rainforest Foundation Norway في 2022 كشفت عن مصير 2.7 مليار دولار جرى تخصيصها في الفترة بين 2011 و2020 للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لمواجهة أزمة المناخ؛ إذ لم يذهب منها إلى مشروعات يقودها سكان أصليون مباشرةً سوى 17% فحسب، وانخفضت النسبة بين النساء إلى 5%.
السكان الأصليين
الأموال المتبقية تولت عدة مؤسسات دولية كبرى توزيعها، وكانت هناك حلقة ثانية من الوسطاء تشمل عدة منظمات غير حكومية، وشركات استشارية؛ ما خلق فجوة بين آليات التمويل وبين المجتمعات المحلية التي قد يعجز العديد من أفرادها على خوض عمليات التقديم التي تتطلبها هذه البرامج.
وفقاً لموقع "Grist"، فإن توزيع الأموال من خلال وسطاء دوليين ينتهي إما بحصول السكان الأصليين على نسبة صغيرة منها، أو عدم الاستفادة نهائياً من الأمر؛ إذ يجري اقتطاع جزء من الأموال للإنفاق على العديد من البنود؛ بدايةً من الأعمال الإدارية حتى رواتب الاستشاريين.
ينتهي الأمر بعدم حصول السكان الأصليين عليه أو الحصول على جزء صغير، بعدما تكون الأموال جرى اقتطاعها للإنفاق على العديد من البنود؛ بدايةً من الأعمال الإدارية حتى رواتب الاستشاريين.
ويقول توربجورن جيفسن مستشار السياسات بمنظمة "RFN"، في مقال له، إن المبالغ التي وصلت إلى السكان الأصليين تقتصر على أقل من 1% من إجمالي المساعدات المخصصة للتمويل المناخي المصنفة بين المساعدات الإنمائية الرسمية.
أزمة ثقة
العديد من نشطاء المناخ الذين ينتمون إلى السكان الأصليين بدؤوا يتخذون خطوات فعلية من أجل المشاركة في حلقة التمويل، لكن عادةً ما يُصدَمون بقائمة من العقبات.
تنتقد فاليريا باي المدير التنفيذي لصندوق Fundo Podáali الممولين، وتتهمهم بأنهم لا يثقون ثقة كاملة بالسكان الأصليين، ويغيرون وعودهم وقت التنفيذ، حسبما نقل موقع "Grist".
مديرة الصندوق الذي تديره مجموعة نسائية من السكان الأصليين في البرازيل، قالت إن السكان الأصليين يعجزون عن تحقيق كافة مخططاتهم، ويحتاجون إلى المزيد من الأموال.
المزيد من الانتهاكات
هناك احتمال آخر أشد قتامةً، وهو وقوع الأموال في يد من يمارس انتهاكات بحق هؤلاء السكان؛ فعلى سبيل المثال، شاركت مؤسسة Wildlife Conservation Society في تدريب مجموعة من الحراس لمنتزه في الكونغو معروف برحلات السفاري، لكنهم قتلوا ما لا يقل عن 20 شخصاً ينتمون إلى عرق "باتوا"، واغتصبوا أكثر من 15 سيدة.
السكان الأصليين
بريسون أوجدين المدير التنفيذي لمؤسسة Rights and Resources Initiative يقول إن أنظمة التمويل التي يتبعها مجتمع المانحين مُصمَّمة لتناسب المنظمات غير الحكومية في الغرب، وليس السكان الأصليين.
الفقر والسكان الأصليون
نقص الأموال لا يقتصر على تمويل المشروعات المناخية، بل يمتد إلى الحياة اليومية التي يعاني خلالها السكان الأصليون؛ إذ يمثلون 19% ممن يعانون من الفقر المدقع في العالم، في وقت يهدد فيه التغير المناخي الموارد التي يعتمدون عليها.
الفقر كذلك يزيد من صعوبة حصول السكان الأصليين على فرص تعليمية متساوية؛ إذ تشير الأمم المتحدة كيف يصل أطفال السكان الأصليين إلى المدارس وهم في حالة من الجوع والمرض، بنسب أكبر من غيرهم، ليواجهوا خطراً جديداً باحتمالية التعرُّض للتنمر والتمييز.
المخاطر التي تُلاحِق السكان الأصليين، تضعهم أمام حيرة بين التخلي عن هويتهم للاندماج بعيداً عن مواطنهم الأصلية، وبين التمسك بالثقافة التي وُلِدوا عليها، وبالأرض التي تحتاج إلى مَن يحافظ عليها.