المدن العائمة.. قوارب عملاقة تأوي البشر من طوفان الغرق


سلمى عرفة
الثلاثاء 25 يوليو 2023 | 12:29 مساءً
المدن العائمة
المدن العائمة

بين لحظة عطش يتمنى الملايين فيها مجرد شربة ماء، وأمواج من السيول تجتاح المدن لا تبقي أمامها شيئاً يقف الماء عاملاً مشتركاً في الموقفين، أولهما فيه حياة والثاني خراب ودمار من عنصر يشكل ما يزيد على 70% من مساحة الأرض بطعميه العذب والمالح.

تتصدر مياه الكوكب قائمة الموارد التي يعتمد عليها أكثر من ثمانية مليارات إنسان بين قارات العالم السبع، لكنها قد تتحول بين عشية وضحاها إلى مصدر خطر يهدد الحياة، ومن هنا خصصت الأمم المتحدة س25 يوليو من كل عام يوماً عالمياً للوقاية من الغرق.

التغيرات المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، وتغير مناسيب الأنهار، وتزيد من حدة الفيضانات وضعت الوقاية من الغرق على قمة أولويات البشر.

أغنياء يسكنون على سواحل العالم، وفقراء يعيشون قرب المسطحات المائية التي تمثل مصدر رزقهم، وبينهما 1.8 مليار شخص حول العالم مهددون بخطر الفيضانات، وفقاً لإحصائيات البنك الدولي.

تقلبت معدلات الوفاة جراء الفيضانات على مدى سنوات بين الزيادة والنقصان، وفي 2020، قتلت المياه ما يزيد على ستة آلاف شخص، بينما شهدت باكستان وحدها في 2022 مقتل نحو ثلث هذا العدد بعدما واجه السكان معدلات فيضانات قياسية.

الخطر القادم من البحار والأنهار يدفع البشر إلى إعادة رسم ملامح علاقتهم بالمياه، والبحث عن طرق جديدة للنجاة، حتى وإن كانت تلك الطريقة تتطلب مزيداً من الاقتراب منها، ونقل الأنشطة التي اعتادوا على ممارستها إلى مقرات عائمة.

بناء المدن العائمة الصديقة للبيئة أيضاً بات اتجاهاً عالمياً، ووصل إلى الخريطة العربية التي تتمتع بسواحل طويلة على البحرين الأبيض والمتوسط.

"أوكساجون" السعودية

المملكة العربية السعودية أعلنت بدورها عن مشروع إنشاء مدينة "أوكساجون" التابعة لمشروع نيوم فوق مياه البحر الأحمر، لتكون أكبر مدينة صناعية عائمة في العالم، وتعتمد على الطاقة النظيفة بنسبة 100%، وتجمع بين الصناعات التي تحقق الاستدامة وتخدم أهداف إعادة التدوير، وتجمع بين أحدث طرق الصناعة ومبادئ الاقتصاد الدائري.

يهدف المشروع الأول من نوعه إلى خلق مثال غير مسبوق لفكرة العمل والإقامة فوق سطح المياه، إذ ستضم 70 ألف فرصة عمل، وسيصل عدد سكانها إلى 90 ألف شخص بحلول عام 2030، وفقاً للموقع الرسمي لمشروع "نيوم".

بناء المدن العائمة الصديقة للبيئة بات اتجاهاً عالمياً ووصل إلى الدول العربية التي تتمتع بسواحل طويلة على البحرين الأبيض والمتوسط

المدينة العائمة هذه ستضم كذلك أول ميناء يعمل كاملاً بنظام الأتمتة، ومركزاً للخدمات اللوجستية، ومعهداً لأبحاث البحار، علاوة على مركز للأبحاث والابتكار.

الزوجان ساشا وجان

هناك عدة مشروعات جارية حول العالم لإنشاء مدن عائمة تسع كل منها عشرات الآلاف من البشر، لكن على ما يبدو فإن تلك الفكرة تتطلب كذلك تعديل الكثير من السلوكيات اليومية للبشر.

فكرة العيش في منشآت فوق سطح المياه ليست جديدة، فسكان هولندا على سبيل المثال لجأوا إليها منذ مئات السنين، لكن كيف يعيش المقيمون في نماذج مشابهة للمدن المستقبلية، مع تفاوت قدرات هذه النماذج على الصمود في وجه الظواهر المناخية؟

في 2010، شهدت هولندا بناء منطقة سكنية جديدة بالقرب من قلب العاصمة أمستردام، يتنقل السكان بين وحداتها التي تقل عن 60 منزلاً باستخدام دراجات، وهي وسيلة مواصلات شائعة الاستخدام في الدولة الأوروبية.

شبكة "دويتش فيله" رصدت في فيلم وثائقي قصير تطور العلاقة بين سكان الوحدات، واشتراكهم في العديد من الأنشطة، ووصفت المنطقة بأنها باتت كالقرية التي تقع في قلب المدينة، علاوة على ملائمتها لمن يفضلون الأنشطة المرتبطة بالمياه.

الزوجان ساشا وجان الذين انتقلا إلى المجمع السكني في عام 2011 كشفا كيف ساهم حبهما للإبحار في اتخاذ قرار الشراء، إذ بات يمكنهما بسهولة ترك القارب أمام منزلهما.

مشروع بناء أول مدينة عائمة مستدامة على مستوى العالم سيخلو من السيارات ويعتمد على فكرة التنقل المشترك

في الوقت الذي ترتفع وتهبط فيه قواعد الوحدات مع مستوى المياه، واستخدام مكعبات بلاستيكية لتطفو فوقها، بدت مقاومة المدينة محدودة أمام العواصف التي تضرب المنطقة، فهناك حقيقة أخرى أن المنازل المائية تحتاج درجات أعلى من الصيانة.

هناك أمر آخر يجمع سكان المنطقة وهي الحفاظ على توازن الوحدات التي يعيشون بها، والتنسيق إذا ما أراد أحدهم إدخال جسم ثقيل أكثر من اللازم في منزله مثل آلة البيانو.

بالتأكيد لن نحتاج في النماذج المتطورة التي سنعيش بها مستقبلاً كل هذا الحذر، لكن المؤكد أن فكرة المشاركة وتجنب العزلة ستكون النمط الجديد للحياة.

مؤسس شركة Oceanix المسؤولة عن مشروع بناء أول مدينة عائمة مستدامة على مستوى العالم أكد الاعتماد على فكرة المشاركة قدر الإمكان، فعلى سبيل المثال ستخلو المدن المقرر أن تبنيها الشركة من السيارات، وتعتمد على فكرة التنقل المشترك، وفقا لموقع "يورو نيوز".

المؤسسة هي شريكة لكل من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وسلطات مدينة بوسان بكوريا الجنوبية، لبناء مدينة عائمة مقاومة للفيضانات تسع ما يصل إلى 10 آلاف فرد، ولا ينتج عنها أي نفايات نتيجة لسياسات إعادة تدوير كافة المواد التي سيجري استخدامها.

المشروع مقسم إلى أحياء، سيعيش في كل منها 300 شخص في مبان قد يصل ارتفاعها إلى 7 طوابق، كما يضم كل منها مزرعة مشتركة، وفقاً لموقع "سي إن إن".

صيد وحوائط مكيفة

هناك مشروعات أخرى تعمل على كيفية الاكتفاء الذاتي في تلك المدن، إذ تدرس عالمة الأحياء الألمانية مارتينا مول فكرة الاستزراع المائي القريب من أماكن الإقامة، لتوفير الكميات التي نحتاجها من الأسماك والمأكولات البحرية الطازجة.

إذا ما نظرت إلى المستقبل، وتخيلت أنك تدير مزرعة سمكية أمام باب منزلك العائم، فسيكون عليك، بحسب "مول"، اتباع إجراءات بعينها، فإلى جانب تربية الأسماك، لا بد من تربية بلح البحر، وأنواع من الطحالب لإزالة العناصر الغذائية التي تضر بالبيئة البحرية إذا ما زادت كمياتها.

وحال انتقلنا إلى المحيط الهندي حيث تقع جزر المالديف، فهناك مشروع آخر لبناء مدينة عائمة أملاً في إنقاذ الجزر التي لا ترتفع سوى مترين عن سطح البحر.

المدينة التي ستتسع إلى 20 ألف شخص لن يحتاج أي منهم إلى أجهزة تكييف، إذ سيجري الاستعانة بمياه مأخوذة من أعماق البحر لا تزيد على 7 درجات، وسيجري ضخها في الحوائط لتبريد المنازل. كما سيخفض الاستغناء عن أجهزة التكييف كمية الطاقة المطلوبة بنسبة 60%، وسيجري الاعتماد على الطاقة النظيفة لتوفير الجزء المتبقي.  

مشروع مدينة أوكساجون
المدن العائمة
منازل عائمة في هولندا
نموذج للمدينة العائمة في المالديف
نموذج المدينة العائمة في كوريا الجنوبية