حرب ضد القوارب.. ماذا تفعل حيتان الأوركا بمضيق جبل طارق؟


مروة بدوي
الاثنين 24 يوليو 2023 | 05:57 مساءً

لعقود طويلة، ظلت الأوركا أو الحيتان القاتلة تعيش بسلام وهدوء في أعماق مياه المحيط الأطلسي، ولم تُظهِر أي سلوك عدواني تجاه البشر أو المراكب الشراعية وقوارب الصيد، لكن بحلول عام 2020 تغير الوضع، وظهر نمط سلوكي جديد بين الأوركا في ​​منطقة مضيق جبل طارق تحديداً.

أخذت حيتان الأوركا تُهاجِم القوارب، ومع ازدياد الظاهرة في الآونة الأخيرة، تم توثيق ما يقرب من 500 حالة اعتداء على جميع أنواع المراكب، على مدار ثلاث سنوات. ولعل إحدى هذه الحوادث تلك التي وقعت قبالة سواحل شمال المملكة المغربية خلال مايو الماضي.

الحوت القاتل أو "Orcinus orca" أكبر عضو في عائلة الدلافين، يبلغ طول أكبر الذكور أكثر من 10 أمتار. أما الإناث فتبلغ نحو 8.5 متر. ويمتاز الحوت القاتل بالذكاء، وينتشر بوجه عام في جميع المحيطات من القمم الجليدية القطبية إلى خط الاستواء؛ حيث توجد فرائس كبيرة مثل التونة.

توجد الحيتان القاتلة في شمال المحيط الأطلسي، ومنها الأوركا الأيبيرية التي تقطن مضيق جبل طارق في شبه الجزيرة الأيبيرية قبالة السواحل الإسبانية والبرتغالية والمغربية. 

وعدد هذا النوع الفرعي من الأوركا نحو 39 حوتاً، وتم إدراجها في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة؛ لأنها مهددة بالانقراض بشكل خطير.

500 حالة اعتداء نفذتها حيتان الأوركا ضد جميع أنواع المراكب على مدار ثلاث سنوات كانت أبرزها تلك التي وقعت قبالة سواحل شمال المغرب مايو الماضي

في صيف 2020، وقعت أولى حوادث الاعتداء على السفن في هذه المنطقة، وشارك فيها نحو تسعة حيتان قاتلة.

عادةً يبدأ الهجوم بضربة قوية في جسم المركب، ثم تأخذ الحيتان تصطدم بالدفة بشكل متكرر؛ ما يجعل القارب غير قادر على الإبحار. وقد تدوم هجمات الأوركا الأيبيرية أقل من 30 دقيقة، لكن يمكن أن تستمر أحياناً لمدة تصل إلى ساعتين.

ونتيجة لهذه الهجمات حتى الآن، تعرضت 73٪ من القوارب للتلف، بينما تضررت 25٪ منها بشكل كبير، لدرجة عطَّلت المراكب، وتعيَّن سحبها إلى الميناء، بينما غرقت ثلاثة قوارب بعد فشل محاولات انتشالها من الماء، بدون خسائر في الأرواح.

ما السر؟

لم يتوصل الباحثون بعدُ إلى تفسير لهذا التغير المفاجئ في سلوك الحيتان، لكن يستبعد العلماء أن يكون لدى الأوركا أي دوافع خبيثة ضد البشر. ورغم أن هذه الحوتيات من آكلات اللحوم، فإنها لا تملك أي سجل هجومي أو حوادث قتل ضد البشر.

ورغم تعرُّضها أيضاً لمضايقات ممنهجة من قبل الإنسان قبالة السواحل الأمريكية، خلال عقدَي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ إذ تم أسر صغار حيتان الأوركا من أجل عرضها في حدائق الحيوان، فإن هذه الحيتان لم تهاجم القوارب ولا البشر بتاتاً.

هناك عدة افتراضات أو نظريات تتبناها الدراسات، منها أن سلوك الأوركا الهجومي ضد القوارب هو رد فعل انتقامي نتيجة تعرُّض أحد الحيتان القاتلة لتجربة سيئة – مثل الاصطدام بأحد القوارب – نتج على إثرها هجمات الحيتان القاتلة؛ حيث اعتادت الأوركا اتباع سفن الصيد للاستيلاء على غذائها المفضل أو التونة ذات الزعانف الزرقاء، قبل أن ينجح الصيادون في سحبها.

يبلغ طول أكبر ذكور الحوت القاتل أكثر من 10 أمتار أما الإناث فنحو 8.5 متر وتمتاز تلك النوعية من الحيتان بالذكاء

وقد تكون الأوركا تعرضت للخطر بسبب الاصطدام بالدفة، أو التشابك بخيوط الصيد، وتقوم الآن برد انتقامي، كما أنها تُعلِّم صغارها كيفية مهاجمة المراكب عن طريق مضغ دفة القارب أو ضرب الهيكل من أجل الحصول على التونة.

أما الافتراض الثاني فيتعلق ببعض الأسباب التي قد تزيد سلوك الحيتان العدواني بوجه عام، مثل انخفاض الموارد الغذائية بسبب الصيد الجائر، وزيادة المنافسة على الطعام؛ حيث تعاني الأوركا في مضيق جبل طارق من نقص فرائسها الرئيسية التي تمثل غذاءها الأساسي، وتعتمد عليها بشكل كبير، وهي التونة الأطلسية ذات الزعانف الزرقاء، التي باتت مهددة بالانقراض وفقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.

ويُعتبَر تغير المناخ من الأسباب المهمة التي تؤثر على النظم والموائل البيئية البحرية، ومن ثم قد تُغيِّر هذه الاضطرابات الإيكولوجية سلوك الحيتان الطبيعي. وفي بعض الحالات، قد تُثير ردود فعل عدوانية مثلما يحدث حالياً، بجانب التلوث الضوضائي الناتج عن الأنشطة البشرية، كالشحن الذي قد يزعج ويضغط على الحيتان القاتلة.

وسواء كان الدافع وراء هذه الهجمات هو الانتقام أو نقص الموارد وتغير النظم البيئية؛ يرى بعض العلماء أن البشر يتحمَّلون المسؤولية عن نشأة هذا السلوك العدواني، ولو بطريقة غير مباشرة.