محو الأمية المناخية.. علِّموا أولادكم المشي والزراعة وتوفير الماء


ماهيتاب رضوان
الخميس 13 يوليو 2023 | 09:30 مساءً

لا تتوقف التربية الأسرية ودور الوالدين في حياة الأبناء عند الحدود التقليدية، لكن التربية الحديثة باتت تستوجب محو الجهل المناخي للأطفال؛ بدءاً من التوعية والتوجيه الدائم، وصولاً إلى تعريفهم بما يواجهه الكوكب من أزمات آنية.

مؤخراً تزايدت نصائح الباحثين للأسر بضرورة تعليم أطفالهم بما قد يواجهونه من أمطار في عز الصيف، وربما ارتفاع درجات الحرارة وسط شهر يناير؛ ما يستدعي شرح أسباب هذا التطرف المناخي ببساطة للصغار، ثم التوجيه بأهمية الحفاظ على البيئة.

استطلاع شمل عشر دول في عام 2021، أظهرت نتائجه أن 75٪ من الشباب يعتقدون أن المستقبل مخيف، وأن 60٪ قلقون للغاية بشأن تغيُّر المناخ.

دراسة أخرى حديثة أجرتها منظمة حماية الأطفال، ذهبت إلى أن الصغار سيواجهون في المستقبل القريب، العديد من الأحداث المناخية القاسية أكثر من جيل أجدادهم سبع مرات، خصوصاً فيما يتعلق بموجات حر شديدة القسوة وثلاثة أضعاف فيضانات الأنهار وفشل المحاصيل، وضِعف حرائق الغابات، بالإضافة إلى التهديد الجسدي.

التعليم في الصغر

التثقيف المناخي لديه القدرة على أن يؤدي إلى تقليل انبعاثات الكربون في المستقبل، ومن هنا تتزايد النصائح بأهمية الحرص على غرس عادات وروتين يفيد الأبناء فيما بعد، بما أن أول ما يواجهه الصغار هو المناخ المحيط بهم كاختلاف درجات الحرارة، وتغيُّر شكل الأمراض والفيروسات وشكل الطبيعة من حولهم.

خروج الأسرة والاستمتاع بضوء الشمس ومشاهدة الأشجار والجري وسط الحدائق – على سبيل المثال – ليس مجرد وقت ممتع، بل سهم يشير إلى ارتباط طفلك بالطبيعة، ومحاولة تقليل كل ما هو خطير على الكوكب.

دراسة حديثة تحذر من أن الأطفال سيواجهون في المستقبل القريب أحداثاً مناخية قاسية أكثر من جيل أجدادهم سبع مرات كموجات حر شديدة وفيضانات الأنهار وفشل المحاصيل وحرائق الغابات

تقول المختصة النفسية ومختصة تعديل سلوك الأطفال والمراهقين الدكتورة المصرية سهام حسن، إن تدريب الأطفال على الحفاظ على البيئة يبدأ منذ السنوات الأولى من العمر؛ يربطهم بالبيئة الداخلية لمجتمعهم ويزيد انتماءهم لها، مثل الحفاظ على الماء أثناء غسل الأيدي، أو غلق إضاءة الغرفة وإغلاق اللعبة في الوقت الذي لا نحتاجه، والتحدث بطريقة مباشرة عن أن الطبيعة نعمة يجب الحفاظ عليها.

الرفق بالحيوان والحفاظ على هذه الأرواح ليست إنسانية فقط، بل حفاظ على المنظومة البيئية ككل؛ فقد نُشرت الكثير من التوصيات للعديد من المختصين تطالب بأهمية تحويل كل ما هو يومي إلى هدف بيئي؛ مثل تعلُّم قيادة الدراجة واستخدامها وسيلة نقل في المسافات الصغيرة، وضرورة التسوق داخل الأسواق واختيار الفاكهة والخضراوات الطازجة وتجنب المعلبات.

كنز الزراعة

تخيل أنك بمجرد زراعة نبتة صغيرة في شرفة منزلك ستساعد في احتواء طفلك وتحريك مشاعره، وتُنمِّي ذكاءه وتُكسِبه مهارة، وتجعله يرتبط بالبيئة، وتُعلِّمه كيفية الحفاظ عليها، ولاحقاً تسهل إضافة معلومات أن كل شجرة جديدة ستزيل نسبة من غاز ثاني أكسبد الكربون الملوث.

وبعد يوم عمل طويل، كم من الوقت تقضيه مع طفلك؛ فمهما كانت المدة القصيرة من الممكن أن تستغلها في مشاهدة فيلم ينمي علاقته بالطبيعة أو قراءة قصة ترشده إلى كيفية وأهمية الحفاظ على المناخ.

يقول مركز هارفارد لتنمية الطفل إن 90% من نمو الدماغ يحدث قبل سن الخامسة، وتُظهِر الأبحاث أن التعلم من خلال اللعب أمر بالغ الأهمية لتنمية مهارات الأطفال. ببساطة عليك اختيار الألعاب الصديقة للبيئة التي تزيد علاقة طفلك بأهمية الحفاظ على المناخ.

السلوك المستدام

لا بد من خضوع الأطفال لبرامج ودورات تحُثُّ وتساعد على الابتكار وعدم هدر المواد الخام وإعادة التدوير بأكثر من طريقة، مع تعريفهم بأهمية عدم التخلص من الورق قبل استخدامه بالكامل، وعدم طي صفحة دون استغلال المساحات الفارغة بها.

وتتزايد النصائح للآباء والأمهات بأهمية أن يصبح كل منهم قدوة للطفل في شرب مياه الصنبور المفلترة بدلاً من المياه المعبأة في زجاجات، وكذلك وضع مياه الشرب في عبوة زجاجية قابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من الاعتماد على البلاستيك.

وتمتد سلسلة نصائح محو أمية الأطفال إلى أن غذاءً صحياً يساوي جسماً لا يعاني من الأمراض، بل كوكباً آمناً أيضاً؛ فعادات الأكل تبدأ مع تقديم أول وجبة لطفلك في شهوره الأولى؛ فبمجرد عرض الخيارات الصحية في لحظات التذوق الأولى، تصبح عادة للصغير ومن أولوياته الغذائية أيضاً.

مركز هارفارد لتنمية الطفل يقول إن 90% من نمو الدماغ يحدث قبل سن الخامسة وتُظهِر الأبحاث أن التعلم من خلال اللعب أمر بالغ الأهمية لتنمية مهارات الأطفال

احرص على تعويد طفلك على خيارات الطعام الصحية بدءاً من اختيارات البروتينات الأقل خطورةً إلى التقليل من السكر، والاعتياد على تقديم الخضراوات والتقليل من اللجوء إلى الأطعمة السريعة والوجبات الجاهزة.

وخلال مناقشاتك مع الطفل لا تهمل بتاتاً الجانب الإرشادي والتوجيه التعليمي والمعرفة؛ استغل كل نقطة في نقاشاتك لصالح الكوكب.

الأعمال الجماعية

خريطة التربية المناخية للأطفال تتبنى أيضاً العمل الجماعي باعتباره مهماً في تنمية قدرات الطفل والتواصل لديه؛ فمن الممكن استغلال العمل الجماعي والتطوعي للتعريف بأهمية الحفاظ على الطبيعة في المستقبل، ويمكن تلخيص ذلك في العمل التطوعي لتنظيف قرية أو تنقية شاطئ.

هنا تجدر الإشارة إلى أن تثقيف 16% من الأطفال حول المناخ، يمكن أن يؤدي إلى تخفيض 19 جيجا طن في انبعاثات الكربون بحلول عام 2050؛ لذا فإن التثقيف المناخي مطلوب داخل المدارس أيضاً.

ففي الولايات المتحدة، يؤيد 80% من أولياء الأمور (2 من كل 3 جمهوريين و9 من كل 10 ديمقراطيين) ما يُعرَف بالتثقيف المناخي للأطفال، وفي المملكة المتحدة 77% من البالغين يُرحِّبون بتدريس تغير المناخ في المدرسة.

وما بين هذا وذاك، تذكَّر دوماً أن الجهل هو أحد أسباب التغيُّرات المناخية حول العالم، وأن تعلُّم فرد واحد كيفية الحفاظ على البيئة بمنزلة قطع ميل في طريق إنقاذ الكوكب.