إطلالة تدعم البيئة.. كيف تعيد تدوير ملابسك بطريقة ملكية؟


مروة بدوي
الاثنين 10 يوليو 2023 | 11:33 مساءً

على أبواب أحد المساجد التاريخية في العاصمة البريطانية لندن، وقف الملك تشارلز الثالث ليخلع حذاءه؛ احتراماً والتزاماً بالتقاليد الإسلامية، لكن صدمةً أصابت جميع من حوله، عندما بدا أحد جواربه أسود اللون مثقوباً، ليطير بالملك على محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي في فبراير الماضي.

صورة ملكية تحوَّلت إلى ترند عالمي تناقلته وسائل الإعلام وأثار الكثير من الجدل حول سبب ارتداء ملك بريطانيا جوارب "مقطوعة". البعض أيد الاختيار الملكي، مبرراً ذلك بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، في الوقت الذي سخر فيه البعض من الموقف واعتبره محرجاً للعائلة المالكة.. فهل ارتكب الملك تشارلز خطأً في حق "الموضة"؟ أم ما خفي كان أعظم؟

وسط الكثير من التعليقات والتحليلات، التي تبدو أكثرها منطقيةً وتماشياً مع شخصية الملك وتاريخه في مجال العمل العام، فإنها كانت بوضوح دعماً من تشارلز الثالث لقضية الاستدامة ومفهوم الموضة البطيئة.

منذ أن كان أميراً لويلز، وقبل جلوسه على العرش خليفةً لوالدته الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، اشتهر "تشارلز" بكونه ناشطاً بيئياً منذ سنوات شبابه الأولى، خصوصاً بعد خطابه الشهير الذي ألقاه في 19 فبراير 1970، عندما تحدث عن العديد من القضايا البيئية التي ما زالت مطروحة حتى اليوم، مثل التلوث بجميع أنواعه وأضراره الخطيرة على البيئة.

ترى وسائل الإعلام العالمي أن تشارلز يمكن اعتباره "ملك المناخ"؛ لاهتمامه الشديد بالبيئة والتغيرات المناخية. ومن مظاهر هذا الدعم، اعتماده "لايف ستايل" يُسانِد الموضة المستدامة؛ فهو لا يهتم باتباع آخر صيحات الـموضة، ولا الظهور بإطلالات جديدة، بل على العكس؛ يعيد تدوير ملابسه وأحذيته القديمة ويرتديها مرة أخرى، مثل جواربه المثقوبة، ولديه فريق يساعده على إصلاح قِطَعه البالية، وإدخال بعض التعديلات الصغيرة عليها بدلاً من التخلص منها.

قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى، لكنه سيبدو منطقياً إذا علمتَ أن الموضة تعتبر ثاني صناعة ملوثة للبيئة وثاني أكبر مستهلك للمياه – نحو 93 مليار متر مكعب سنوياً؛ ما يكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص – وتنتج صناعة الموضة مع قطاع الأحذية 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ما الموضة البطيئة؟

تهدف الموضة البطيئة إلى جعل ممارَسات العلامات التجارية وعادات التسوق لدى المستهلك أكثر استدامةً ومسؤوليةً تُجاه البيئة، ومن ثم فإن مطلبها الأساسي هو تقليل الإنتاج والاستهلاك.

ظهر هذا المفهوم بوصفه ردَّ فعلٍ مُعارِضاً على انتشار الموضة السريعة التي تقدِّم للمستهلكين ملابس عصرية ورخيصة، لكن غالباً ما تكون جودة هذه التصاميم رديئة؛ لذلك يتم التخلص منها سريعاً، ومع اعتماد صيحات جديدة بأسعار منخفضة في السوق، يتم تشجيعهم على الشراء مرةً أخرى.

مع تكرار العملية، تضاعف إنتاج الملابس بين عامَي 2000 و2014، وأصبح الشخص العادي يشتري ملابس أكثر بنسبة 60% مما كان عليه قبل 15 عاماً، ويحتفظ بها فقط نصف المدة التي اعتادها قديماً، وفقاً للأمم المتحدة وتقرير (ماكينزي 2019 عن حالة الموضة).

الموضة ثاني صناعة ملوثة للبيئة وثاني أكبر مستهلك للمياه بنحو 93 مليار متر مكعب سنوياً وهو ما يكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص وتنتج مع قطاع الأحذية 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

أدى ذلك إلى عدد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية السلبية، منها تشجيع "الاستهلاك المفرط"، والإنتاج على نطاق واسع وسريع، وخلق كمية هائلة من النفايات؛ حيث تنتج صناعة الموضة 4٪ من نفايات العالم كل عام؛ أي نحو 92 مليون طن.

ويتمنَّى دعاة الموضة البطيئة أن يساعد هذا الاتجاه في تقليل بصمتنا البيئية، من خلال تبني عقلية ترشيدية، وتحويل عادات التسوق إلى أخرى أكثر فائدةً لكوكب الأرض، عبر تقليل نفايات المنسوجات التي تُثقِل كاهل مكبات النفايات.

ولتحقيق أهدافها، تتبنَّى حركة الموضة البطيئة والعلامات التجارية المستدامة، بعض السياسات المهمة؛ منها استخدام مواد عالية الجودة ومستدامة مثل الكتان أو القطن العضوي، والاعتماد على مصادر إنتاج محلية والتوزيع والبيع أيضاً في المتاجر المحلية، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن وسائل النقل والشحن.

وتعتمد معظم علامات الموضة البطيئة أسلوب تصنيع الأزياء الحصرية والمخصصة بالطلب، حسب مقاس العملاء؛ لعدة أسباب، أهمها عدم إهدار أي فائض غير ضروري في الإنتاج؛ حفاظاً على البيئة، كما أن التواصل المباشر مع العملاء يُحقِّق رغباتهم، ويخلق تصاميم خالدة ومثالية تعيش طويلاً؛ تحقيقاً لمبدأ الجودة والاستدامة.

تُنتِج الموضة السريعة مجموعات موسمية بصيحات متنوعة تتغير كل ثلاثة أشهر تقريباً وذات جودة منخفضة، على عكس البطيئة التي تقدم كبسولات دائمة ومحددة غير موسمية ذات حرفية عالية؛ تجنباً للإهدار وترسيخاً للاستهلاك الواعي من قِبَل المستهلك.

في الواقع، تركز الموضة البطيئة على إبطاء عملية الإنتاج وترشيد سلوك المستهلك الشرائي، لكنها تهتم أيضاً بالممارسات الأخلاقية، سواء البيئية أو المجتمعية، كالحفاظ على المصادر الطبيعية والحيوانية، ودعم المجتمع المحلي والصناعات التراثية مثل التطريز اليدوي الذي يجعل القطع فريدة وأيقونية.

وهذا بجانب مراعاة حقوق العمالة وتوفير ظروف عمل عادلة وصحية، على عكس الموضة السريعة التي يتم اتهامها بالعمل في ظروف غير إنسانية، واستغلال عمالة الأطفال.

معظم علامات الموضة البطيئة تعتمد أسلوب تصنيع الأزياء الحصرية والمخصصة بالطلب حسب مقاس العملاء لضمان عدم إهدار أي فائض غير ضروري في الإنتاج حفاظاً على البيئة

في الموضة السريعة، كل شيء يعتمد على السرعة والكمية والتكلفة المنخفضة. أما في البطيئة فالمهم هو تحقيق المعادلة الصعبة التي تجمع الجودة والاستدامة مع الإنتاج الأخلاقي.

ماذا عنك اتباعك للموضة؟

على الرغم من تزايد الوعي بتأثير الموضة البيئي، لا تكفي الاستدامة وحدها لإقناع الجميع باختيار الأزياء المستدامة بدلاً من الاختيار الوفير للأزياء السريعة الأرخص ثمناً، لكن الأمر لا يتوقف على مواجهة التغيرات المناخية فقط، بل تمتلك الموضة البطيئة مجموعة من المزايا تجعلها الخيار الأفضل على عدة مستويات؛ منها الاقتصادية والمجتمعية، كما أنها تُؤمِّن لك إطلالة مميزة وأسلوباً خاصاً، وسوف يتضح ذلك عند الحديث عن طرق اعتمادها التالية:

قاعدة الثلاثين

تتمثل إحدى مزايا الموضة البطيئة في أنها تقلل استهلاكك؛ لأنك تشتري بمزيد من اليقظة والوعي للحصول على أزياء طويلة الأمد تُرضِي احتياجاتك وذوقك الخاص، وليست لمجاراة الصيحات الجديدة القصيرة الأجل.

لذلك فإنه عند شراء قطعة جديدة، عليك الابتعاد عن شراء قطعة سترتديها لمناسبة واحدة فقط، بل اختر قطعة ذات جودة عالية يمكنك ارتداؤها مرات عديدة. ويمكنك تطبيق قاعدة الثلاثين عبر التفكير بشأن إذا ما كان يمكن اعتماد هذه القطعة أكثر من 30 مرة وتصميمها بطرق مختلفة. سوف تساعدك الإجابة على البعد عن العشوائية والاستهلاك غير الواعي.

استثمر في الملابس غير الموسمية والقطع الأساسية ذات القصات البسيطة والألوان الهادئة التي يمكن تنسيقها مع أكثر من قطعة على مدار العام وليس في موسم محدد، مثل الجينز والفساتين البسيطة والسترات والقمصان؛ فمع الوقت، ستجعل خزانة ملابسك أكثر استدامةً.

توفير المال على المدى الطويل

عادةً ما تكون العلامات التجارية للأزياء البطيئة باهظة الثمن أكثر من سلاسل الأزياء السريعة المعتادة، لكن ذلك على المدى القصير؛ لأنك مع الموضة البطيئة ستشتري ملابس أقل عالية الجودة وبعيدة من الموضة المتغيرة أو الموسمية؛ ما يجعلها تدوم لفترة أطول، ويوفر مالك على المدى البعيد.

تجربة الأسواق المستعملة

قد يرتبط الـ"شوبينج" لدى البعض بالقطع الجديدة فقط، لكن إذا كان شراء الملابس المستدامة خارج ميزانيتك، يمكنك أن تتعلم الشراء من الأسواق المستعملة التقليدية أو الافتراضية عبر وسائل التواصل، وستشعر بالحماسة والمتعة نفسهما؛ ليس فقط للشراء، بل لأنك ساهمت في تقليل النفايات، وساعدت كوكب الأرض.

اعتماد الاقتصاد الدائري

نظام اقتصادي يهدف إلى تقليل الهدر والاستفادة القصوى من الموارد، يتحدَّى خط الإنتاج الخطي للأزياء الذي ينتهي بالتخلص من الملابس في مكب النفايات، ويرى الحل في استخدام منصات التأجير. عندما تحتاج إلى قطعة جديدة من أجل مناسَبة خاصة، يمكنك التأجير بدلاً من الشراء، كما يمكنك عرض ملابسك الزائدة عليها؛ ما يقلل عمليات التخلص من الملابس فتقل النفايات.

بالنسبة إلى الدنيم مثلاً، استخدم الغسيل البارد للحفاظ على طبيعة الألياف، واغسله بالمقلوب لمنع تلاشي اللون، وتجنب التجفيف لتقليل الانكماش الحراري

ترتيب خزانتك وإعادة التدوير

عليك إعادة ترتيب خزانتك وتقدير ملابسك التي تمتلكها، والتأكد من استخدام كل قطعة. وإذا وجدت ملابس تريد التخلُّص منها فعليك إعادة تدويرها بالتبرع بالملابس المستعملة القابلة للارتداء أو إعادة بيعها.

القاعدة الأولى للحفاظ على خزانتك: اعتن بملابسك جيداً حتى تدوم لفترة أطول؛ ولذلك عليك اتباع إرشادات الغسيل والكي جيداً، وابذل جهداً إضافياً لضمان بقاء ملابسك في أفضل حالاتها لفترة أطول.

بالنسبة إلى الدنيم مثلاً، استخدم الغسيل البارد للحفاظ على طبيعة الألياف، واغسله بالمقلوب لمنع تلاشي اللون، وتجنب التجفيف لتقليل الانكماش الحراري.

إصلاح الملابس القديمة وإعادة استخدامها: لتحقيق مبدأ الاستدامة، يمكنك استغلال موهبتك في إضافة بعض الأفكار المميزة على قطعك القديمة للحصول على إطلالة جديدة أو العثور على خياط جيد يُصلِح ملابسك ويُعيد لها رونقها القديم.

ادعم العلامات التجارية المستدامة: فعند الشراء، احرص على اختيار متاجر أو علامات تهتم بالبيئة والممارسات الأخلاقية.

متابعة السوشيال ميديا

للحصول على أفكار جديدة مستدامة أو خارج الصندوق، يمكنك متابعة حسابات المؤثرين المهتمين بالموضة المستدامة والبطيئة، مثل مصممة الأزياء المستدامة البحرينية روان مكي التي تعمل بمجال تصميم الأزياء المستدامة وتهتم بالمعايير البيئية.

وفي النهاية، فإن الأمر كله يتعلق بتغيير طريقة تفكيرك، وتطوير أسلوبك الشخصي. استثمر في ملابسك، واشترِ بكمية أقل؛ لأن الاستهلاك المنخفض يُقلِّل البصمة البيئية ويُوفِّر الموارد. وتذكَّر دائماً أن واحداً من أشهر ملوك العالم حالياً، وهو تشارلز الثالث، يصر على ارتداء المعطف الكلاسيكي نفسه منذ الثمانينيات وحتى الآن في أغلب المناسبات، وعلى مدى 40 عاماً ما زال المعطف المُفضَّل للملك يخطف أنظار الميديا في كل مرة.