قرى عربية تضرب المثل في الاستدامة.. أبوابها مفتوحة للسائح الأخضر


مروة بدوي
الاثنين 10 يوليو 2023 | 12:02 صباحاً

للعالمين ببواطن الاقتصاد قناعة بأن السياحة واحدة من أسرع الصناعات نمواً، ومصدر مالي مهم، وترتبط بشكل وثيق بالمجتمع؛ لذلك باتت السياحة المستدامة توجهاً عالمياً للحفاظ على البيئة ومواجهة الآثار السلبية التي طرأت على الموارد الطبيعية بسبب بعض الممارسات السياحية الخاطئة خلال العقود الأخيرة.

بشكل متكامل تراعي السياحة المستدامة، الآثار المجتمعية والبيئية والاقتصادية الحالية والمستقبلية للصناعة، وتلبي احتياجات السياح والبلاد المضيفة والبيئة، وفقاً لتعريف منظمة السياحة العالمية.

يمكننا القول إن الغرض من السياحة المستدامة، هو تقديم تجربة صديقة للبيئة على جميع الجوانب، ممتعة وهادئة للسائح، تحافظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي للمكان، وتحد من الانبعاثات والنفايات، كما تحترم ثقافة وتراث السكان الأصليين، حتى تتحول إلى وسيلة لدعم المجتمع المحلي.

والعالم العربي ليس بعيداً عن هذا المفهوم؛ بل نجد السياحة المستدامة ضمن أولويات الكثير من الدول التي تطمح إلى تحقيق مكاسب بيئية واقتصادية؛ لأن هدفها هو الحفاظ على الموائل السياحية بطريقة مستدامة تضمن صيانتها.

اختيرت 4 قرى عربية ضمن قائمة أفضل القرى السياحية لعام 2022 التي تضم 32 قرية من كل أنحاء العالم.. هي بلدة العلا القديمة السعودية وأم قيس الأردنية وقصر الخربات ومولاي بوزرقطون في المغرب

في بداية هذا العام، أعلنت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عن قائمة أفضل القرى السياحية لعام 2022، وكان المعيار الأبرز للاختيار هو الالتزام الواضح بمبادئ الابتكار والاستدامة البيئية والمجتمعية؛ ما يجعل هذه القرى نموذجاً رائعاً لوجهات سياحية مستدامة، تتمتع بمقومات طبيعية وثقافية مميزة، وتحافظ على هويتها المحلية وأسلوب الحياة الريفي.

وضمن هذه القائمة التي تضم 32 قرية من كل أنحاء العالم، اختيرت 4 قرى عربية: بلدة العلا القديمة السعودية، وأم قيس الأردنية، وقصر الخربات، ومولاي بوزرقطون في المغرب، فما الذي يميز هذه الوجهات وجعلها تستحق لقب الأفضل؟

العلا القديمة

تقع بلدة العلا القديمة مع واحتها الخضراء وسط الوادي الخصب في قلب الصحراء وتحتضنها الجبال الشاهقة، داخل محافظة العلا في شمال غرب المملكة.

رحلة سياحية بمذاق خاص، من أعلى البلدة تبدو شوارعها المهجورة مثل متاهة كبيرة تضم 900 بيت من الطوب الطيني، وكأنها قادمة من عصور الحكايات القديمة، وعندما تنزل إلى ساحاتها وأزقتها سوف تراها مثل كتاب مفتوح يقص عليك تفاصيل تراثها وثقافتها المحلية الحاضرة في كل ركن.

تهدف مبادرة منظمة السياحة العالمية إلى تسليط الضوء على الوجهات الريفية التي تركز على تطوير صناعة السياحة بما يتلاءم مع أهداف التنمية المستدامة وخلق فرص عمل خارج المدن والعواصم مع الحفاظ على القيم والمنتجات المجتمعية التراثية.

وربما يكون هذا هو السبب الأهم وراء دخول بلدة العلا هذا التصنيف العالمي، تقديراً لجهود المملكة في تطوير المنطقة وتحويلها إلى مقصد عالمي مع الحفاظ على بيئتها الطبيعية وإرثها الحضاري.

وفي الوقت نفسه تهدف إلى خدمة المجتمع المحلي عبر توظيف سكان العلا لتقديم خدمات سياحية، مثل الإرشاد السياحي والنهوض بالمجتمع وتعليم النساء الحرف اليدوية التقليدية وعرضها في الأسواق والمحال التجارية من أجل بيعها للزوار؛ ما يحسن دخل الأفراد المحليين ويجعل السياحة ذات تأثير إيجابي على أهل العلا مع تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى أرض بلدة العلا، تستمتع بتجارب سياحية تجعلك تتواصل مع الطبيعة، مثل اكتشاف الواحة التي تعتمد تقنيات الزراعة المستدامة وتنتج خضراوات وفاكهة شهية يتم تقديمها في وجبات طازجة داخل المطاعم التقليدية بجانب مسارات المشي ومراقبة النجوم والاستجمام.

أم قيس

تتخذ من شمال المملكة الأردنية موقعاً، وتطل على وادي الأردن وبحيرة طبريا؛ حيث عُرفت قديماً باسم "جدارا"، وكانت موطناً لعدد من الشعراء والفلاسفة اليونانيين الذين شبهوا أم قيس بمدينة أثينا.

هنا سوف تعيش تجربة عربية بروح يونانية رومانية، داخل واحدة من أقدم المدن الأثرية بالعالم العربي مع معالمها الشهيرة؛ المدرج الغربي وشارع الأعمدة.

استطاعت قرية أم قيس أن تحافظ على موائلها الطبيعية، مثل المناظر الخضراء الخلابة مع صيانة وترميم آثارها القديمة كالمسرح الغربي، كما أنها تحقق مفهوم السياحة المسؤولة للزوار ولسكان القرية.

يتضمن برنامج رحلتك زيارة مجموعة من المشروعات الريادية المستدامة في القرية التي تجعل صناعة السياحة مصدراً لتنمية المجتمع المحلي وزيادة فرص العمل وتمكين المرأة مثل مواقع تربية النحل ومشاهدة هذه المملكة الفريدة وتذوق العسل الشهي ومشاركتك في موسم حصاد العسل بأنواعه المختلفة.

وتخيل أن تصبح ضيفاً في منزل طاهية محلية لتعيش تجربة المطبخ المحلي بكل تفاصيلها؛ بدايةً من تحضير الخضراوات والفاكهة الطازجة من أرض المزرعة مباشرةً قبل الطهي ثم إعداد الطعام بنكهته ورائحته المتعددة التي تعكس التنوع والثراء البيئي للمملكة.

قصر الخُربات ومولاي بوزرقطون

السياحة واحدة من أهم قطاعات الاقتصاد المغربي؛ لذلك ليس غريباً أن تدخل قريتان مغربيتان ضمن قائمة منظمة السياحة العالمية هذا العام، لكن السؤال الأهم: ما الذي يجعل رحلتك السياحية صديقة للبيئة وأكثر استدامة هناك؟

قصر الخُربات تقع في جنوب شرق البلاد، وهي قرية محصنة مستطيلة الشكل، تصحبك في زيارة غير تقليدية داخل أروقة القصر التاريخي الذي يعود بناؤه إلى عدة قرون ماضية.

تنتمي هذه التجربة إلى السياحة البيئية التي تجعلك تكتشف الروح الأصيلة للمكان؛ حيث تحول جزء من القرية بمنازلها القديمة إلى دار ضيافة بمطاعم وأماكن استرخاء تسمح لك بقضاء إجازة هادئة تحترم الطبيعة وتقاليد السكان.

استطاعت القرية تقديم الخدمة السياحية مع صيانة هويتها والتراث المعماري المميز، خصوصاً طريقة البناء القديم للقصور من الطين الترابي، مع ممارسة بعض الأنشطة السياحية المستدامة، مثل زيارة الواحة، والتنزه بالدراجات الهوائية، والتعرف على ورش الحرف التقليدية واليدوية بالمنطقة لخدمة المجتمع المحلي.

 الاستثمار السياحي الذي يحترم البيئة بات مصدراً للاستدامة الاقتصادية والاجتماعية عبر توفير فرص عمل للمواطنين في المطاعم ومراكز الأنشطة المائية والفنادق السياحية

أما قرية مولاي بوزرقطون، الواقعة على الساحل الأطلسي، فرغم صغر مساحتها تلعب دوراً مهماً في دعم البيئة والسكان الأصليين في مواجهة التغيرات المناخية؛ حيث تمثل جزءاً من محمية المحيط الحيوي لشجرة الأركان أو المحمية الحيوية للأركان، كما أنها تشتهر بالصيد البحري.

عبر مبادرات المجتمع المدني، استطاعت القرية الحفاظ على موائلها الطبيعية والمائية وتطوير منتجات زيت الأركان ومشتقاته من أجل تعزيز الإنتاج المحلي، وتوفير مناخ آمن لممارسة الرياضات البحرية على شواطئها الرائعة.

بات الاستثمار السياحي الذي يحترم البيئة مصدراً للاستدامة الاقتصادية والاجتماعية عبر توفير فرص عمل للمواطنين في المطاعم ومراكز الأنشطة المائية والفنادق السياحية.

وبجانب القرى السياحية العربية، نجد رأس الخيمة التي اختارتها شبكة سي إن إن، من أفضل الوجهات السياحية العالمية هذا العام. وأوضحت الشبكة الأمريكية أن أحد أسباب الاختيار هو خطة الإمارة لتصبح الوجهة الأكثر استدامةً في الشرق الأوسط بحلول عام 2025 بفضل "استراتيجية الوجهة السياحية المستدامة" الجديدة.

تعرف رأس الخيمة بإمارة المغامرات؛ حيث توفر العديد من الأنشطة الترفيهية والمسلية على الشواطئ والجبال الشاهقة والأماكن المفتوحة في الهواء الطلق، مثل التزلج على الرمال وعلى الماء والقفز بالمظلات والغوص.

وبجانب ذلك سوف تقدم لك الإمارة تجارب سياحية جديدة وأصيلة تحمي البيئة المحيطة وتقلل الانبعاثات الكربونية وتحقق التنمية المستدامة مع تحسين جودة حياة المواطنين والحفاظ على الإرث الثقافي، وتعمل على تعميم مبادرة (الفنادق الخضراء) على جميع فنادقها للسنة الرابعة على التوالي.

وفي النهاية، فإن هذه المدن الخمس العربية تعتبر نماذج عالمية تؤكد أهمية إعادة بناء صناعة السياحة بشكل آمن ومنصف وصديق للبيئة؛ لأن السفر المستدام والمسؤول حاجة ملحة لدعم المجتمعات التي تعتمد على السياحة في معيشتها.